لماذا أقبرت فكرة بعث متحف خاص.. ولم لا تتجسّم اليوم والاهتمام موجه لتطوير السياحة الثقافية؟ تونس - الاسبوعي احتفلت بلادنا مؤخرا بالذكرى الخمسين لاعلان الجمهورية ..هذا الاعلان الذي ألغى حكم البايات الذي تواصل على امتداد مئات السنين تمكنت خلالها العائلة المالكة من تكوين ثروة هائلة من العقارات والمنقولات والاغراض الشخصية الثمينة.. ولعل ما شدّ الانتباه من ضمن كل هذه الثروات ولايزال موضوع متابعة بين الفينة والاخرى اضافة لتوجيه الاتهامات هو موضوع مجوهرات العائلة المالكة التي لا تزال الى حد الآن 12 خزانة ملأى بها تقبع في أقبية الخزانة العامة للدولة.. فأي مصير لهذه المجوهرات بعد مرور 50 سنة عن مصادرتها وهل تم حجزها بالكامل أم تسرّب البعض منها الى أطراف فاعلة وجهت لها اتهامات.. وما هي الملابسات التي مرّت بعملية الحجز هذه؟ تجريد المؤرخ الاستاذ خالد عبيد الذي كان لنا معه اتصال أفادنا بأنه «مباشرة إثر الغاء الملكية قامت الدولة التونسية باصدار كل القوانين الضرورية لتجريد أفراد العائلة المالكة من أملاكهم المنقولة وغير المنقولة على اعتبار أنها اكتسبت على كاهل التونسيين وبطريقة غير شرعية» ويضيف محدثنا أنه بعد سنة من ذلك أي في ربيع 1958 بلغت معلومات لأجهزة الدولة أن هناك شخصا عرض للبيع على أحد الصاغة مجوهرات تعود للبايات فتم جلبه للتحقيق معه فأفاد أنه حصل عليها من أحد بنات الباي فتم جلبهن وعددهن أربعة إضافة لزوجة أحد أبنائه للتحقيق معهن فاعترفن بأنهن لا يزلن يملكن عددا من المجوهرات فتمت مصادرتها في الحين. محاكمات وقد كانت هذه المصادرات حسب محدثنا مناسبة لتفعيل محكمة القضاء العلي وهي محكمة استثنائية بعثت مطلع الاستقلال لمقاضاة المتعاونين مع الاستعمار والمعارضين لبورقيبة ومقاضاة من أخفى مجوهرات اعتبرت ملكا للشعب.. وبالتالي تمت مقاضاة عدد من أفراد العائلة المالكة وأصهارهم.. لكن هل تم حصر هذه المجوهرات المصادرة؟ عن هذا يجيب محدثنا أنه لم تتوفر وثائق رسمية تدل على عدد هذه المجوهرات أو قيمتها مؤكدا أنه لن يتسنى ذلك الا اذا فتحت أرشيفات الدولة التونسية الخاصة بتلك الفترة وبهذه المسألة مضيفا أنه في غياب وثائق رسمية تبقى المعطيات رهينة إشاعة من هنا وشهادة لأحد أحفاد البايات من هناك بينما الحقيقة تنتظر.. هذه الوثائق قد تكشف حقيقة في اعتقادي تلك التي وجهت أصابع الاتهام لوسيلة بورقيبة على خلفية أن بعضهم شاهدها تلبس مجوهرات تعود للعائلة المالكة. قيمة عالية والمؤكد أن الخزينة العامة للدولة تحتفظ اليوم ب 12 خزانة ملأى بهذه المجوهرات دون أن يكون لنا علم بعددها غير أن معطيات تعود لمطلع التسعينات تقول بأن قيمتها آنذاك تفوق ال 100 مليون دينار.. هذا من حيث القيمة المادية ربما لكن من حيث القيمة التاريخية فهي أرفع من ذلك بكثير.. والمؤكد أن فكرة عرض هذه المجوهرات للعموم كانت تخامر ذهن كبار المسؤولين بل قاموا بدراسة الامر واتضح لهم أن إنشاء متحف خاص يتطلب مواصفات بناء خاصة وتجهيزات حماية دقيقة وجدّ متطورة بما يعني كلفة باهظة في ذلك الحين.. لذلك أقبر المشروع.. لكن اعتقادي أن التوجهات الجديدة الرامية الى تطوير السياحة الثقافية على اعتبارها منتجا يمكن أن يمدد في الموسم السياحي ويجلب أصنافا جديدة من السياح كم نحن في حاجة اليها يفترض أن تولي أهمية خاصة لهذه المسألة. متحف وطني فتشييد متحف خاص بالحقبة الحسينية تعرض فيه مجوهرات البايات وملابسهم والبعض من أثاثهم يمكن أن ينشط بشكل واضح السياحة الثقافية وأن يوفر مداخيل هامة من معاليم الدخول اليه.. واعتقادي أن كل التونسيين سيقبلون بأطفالهم وشيبهم وشبابهم على هذا المتحف للفرجة وإعادة الفرجة.. ومن زار أسطنبول ومتحف «توبكابي» هناك وقف حتما على الاقبال المكثف الذي تشهده قاعات عرض مجوهرات السلاطين العثمانيين..كما أن قصور البايات في حاجة بدورها الى ترميم وتحويلها الى متاحف يمكن أن يتوقف عندها السياح في إطار البرامج المنظمة لهم كما يمكن أن تكون قبلة للزوار التونسيين.. واعتقادي أن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لو أقرت لمدة سنة منع حفلات المطربين الاجانب في تونس وخصصت ما تصرفه لهم لبناء هذا المتحف لكانت تقدمت شوطا هاما في تجسيم هذا المشروع الذي ظلّ نائما في الرفوف لمدة 15 سنة تقريبا. إلى متى؟ إن التونسي اليوم يفتخر بثراء مخزونه الحضاري وتبذل مجهودات جبارة لابرازه محليا ودوليا والتراث كما الآثار أصبحت لدى عديد الدول صناعة مربحة تدعم الصناعة السياحية بل وتؤسس لها كما هو الحال في مصر التي صنعت الاهرام شهرتها وعززت مكانتها المتاحف الوطنية والجهوية والآثار العربية الاسلامية وحتى الدول التي لا تاريخ لها اجتهدت وصنعت لنفسها تاريخا سوقته في المتاحف المشيدة للغرض.. فلماذا نقبر في تونس جانبا من تاريخنا ونحن نستعد لنصبح مركزا دوليا للاعمال بعد أن أضحينا وجهة سياحية محترمة تقرأ لها بقية الوجهات السياحية ألف حساب.