المعروف أن الطرائف والنوادر فن عريق في الأدب العربي والعالمي، بل أن الحياة الإنسانية رغم جديتها ومعضلاتها الوجودية واليومية معا، لا تستقيم دون تطعيمها بشيء من النوادر تخفف من عبء الحياة ومسؤولياتها وتُدخل الضحكة على الإنسان، استجابة لحاجته إلى الترويح عن نفسه. وأصناف الطرائف أكثر من أن تعد أو تحصى، فنجد صنف الخيالي المحض ونجد أيضا طرائف واقعية ينتجها المعيش الاجتماعي والسياسي. ولكن يبدو أن الطرفة بما تعنيه من فكاهة وضحك تحمل في بعض الأحيان ما تعنيه ونقيضه أي أنه يحدث أن ينتج واقع ما طرائف تبعث على القلق وتفعل الانزعاج فتتبدد بذلك ملامح الطرفة وهويتها بالشكل الذي عهدناه في الطرائف والنوادر من تحفيز للضحك والفكاهة وغيرهما خاصة أن الأدب العربي زاخر بأدب الفكاهة والطرافة حتى استقر في أذهاننا أن منتجي الطرائف وأبطالها يتصفون بالذكاء والقدرة على ابتكار الحيل وتدبر حلول تخرج عن السائد. وكي لا يذهب الظن بعيدا، فيعتقد البعض أن الإحالة فيما نقصد قوله تحيل على نجوم الطرائف مثل أشعب وأبي دلامة، فإن الصنف الذي يعنينا من أصناف الطرائف الكثيرة هو ما أطلقنا عليه لطفا صنف الطرائف المقلقة. وهي طرائف من صنع بعض تلاميذ الباكلوريا الذين تهاطلوا علينا بوابل من طرائف مقلقة ومزعجة ومؤسفة أيضا. ومن هذه الطرائف التي جادت بها قريحة بعض التلاميذ أن تونس بلد ديمقراطي نظرا لانتمائه الإفريقي وكتب واحد أن جمع فيلسوف «فلاسفون». ورأى آخر أن «الأسطول الجوي للمعز بدين الله الفاطمي» وأراح غيره رأسه من التفكير وأعلن أنه لا فرق بين «ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء وفريديريك ينتشه» الفيلسوف الألماني المعروف. وإذا ما تم تقليب النظر في هذه الطرائف التي أضحكت الكثيرين، فإن الاستنتاج الأول الحاصل والمتأكد هو أنها طرائف لا يمكن أن ينتجها سوى تلاميذ في خصومة جذرية مع القراءة الشيء الذي جعل امتلاكهم لما يسمى بالثقافة العامة فقيرا بشكل مدقع، خصوصا أن الطرائف لم تقتصر على حقل دون غيره بل شملت التاريخ والعلوم وحتى ماله علاقة ببديهيات وطنية. ولعل مثل هذه الطرائف التي وصلنا البعض منها، تؤكد أهمية قرار الإذن بالاستشارة الوطنية للكتاب وتجعل في نفس الوقت المنتظر منها ينتمي إلى خانة ما هو حيوي بالمعنى المعرفي والثقافي والتربوي وبالتالي أبعاد الفرد التونسي كافة. وما تشي به هذه الطرائف أيضا أن المعلومة التي مفادها أن التونسي يقرأ ثلاث دقائق رغم الصدمة التي أحدثتها، فإنها لا تنسحب على جميع الذين لا يطالعون، باعتبار أن هناك من لا يقرأ بالمرة. وبحكم أن التعاطي القائم على محاولة الفهم الدائمة والمستمرة والمتراكمة والمعالجة المستند إلى البحث عن سبل المعالجة ،يقتضي عدم الاقتصار على القلق وتصريفه نحو التفكير الجاد، فإن الطرائف المشار إليها وغيرها الذي لم يصل إلينا، يمكن أن يمثل منطلقا لمراجعة طرائق التعليم في بلادنا وطرح أسئلة صريحة وجريئة، تنتهي بنا إلى التعرف إلى الأسباب التي أنتجت الطرائف التي أضحكت الكثيرين وبعثت الأسف في نفوس الكثيرين أيضا.