خلال اجتماع التأم مؤخّرًا بالعاصمة الفرنسيّة باريس وخُصّص لدراسة مسائل تتعلق بالبيئة في المحيط المتوسّطي، تقرّر الشّروع في تنفيذ خمسة مشاريع بيئيّة كبرى في بلدان متوسّطيّة من جملة مائتي مشروع تمّ تحديدها في السّابق. وتهمّ المشاريع المتفق بشأنها تطهير المياه المستعملة بالقاهرة ومشروعين للطاقة المستديمة بكلّ من المغرب وتونس وغيرها من المشاريع الهامّة الأخرى. والمهمّ في هذا الاجتماع الأوّل الذي ينعقد في إطار الاتحاد من أجل المتوسّط بعد الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على غزّة وما تمّ التوصّل إليه من قرارات، هو إعادة الحياة مجدّدًا إلى هذا التجمّع الذي تدعمه تونس وترى فيه إطارًا جيّدًا لتعاون متوسّطي من شأنه إقامة جسور جديدة للحوار والتعاون في مختلف المجالات لمصلحة كلّ الأطراف المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط بما يدعم مساهمته في إحلال السّلام في العالم وتعزيز دعائمه. إنّ الاهتمام بالبيئة أصبح موضوعًا حيويًّا في عالمنا اليوم ويتحدّد بمقتضاه مستقبل الكرة الأرضيّة ومن يعيشون فوقها ومنها، حسب كلّ المختصين والخبراء في المجال. فتلوّث المحيط كما يقرّ بذلك الجميع وما انجرّ وينجرّ عنه من تداعيات خطيرة بل مأساويّة على عموم سكان الأرض من بشر وبقيّة كائنات حيّة أخرى، أمر من الأهميّة والخطورة لا بالنسبة إلى الأحياء اليوم فقط بل بالنسبة إلى الأجيال القادمة التي ستترحّم علينا بقدر اهتمامنا وحرصنا على ما نورّثه إيّاها من بيئة تسمح بالحياة السّليمة. إنّ الاهتمام بسلامة البيئة والحرص على الحدّ من تلويث المحيط، لا تفرضه فقط إرادتنا للحفاظ على مقوّمات الحياة من مياه نظيفة وهواء نقيّ ومواد غذائيّة سليمة من العاهات والملوِّثات فحسب، بل تستوجبه كذلك اعتبارات أمنيّة، ذلك أنّ التصحّر وتلوّث المياه الجوفيّة وتسرّب النّفايات الملوّثة لها وتقلّص المساحات الغابيّة وارتفاع درجات الحرارة والتقلبات المناخيّة الناجمة عن الاحتباس الحراري الناتج بدوره عمّا يفرزه البشر من ملوّثات ومواد سامّة، سيكون حتمًا سببًا في موجات من الهجرة الجماعيّة العاتية التي لا يمكن التصدّي لها إلا بوسائل أشدّ فتكًا وإضرارًا من أسبابها. فلذلك يعتبر الأمن البيئي من المحاور الجوهريّة التي وجب أخذها بعين الاعتبار في اهتمامنا بموضوع البيئة وسعينا المشترك لحمايتها من كلّ ما يتهدّدها من مخاطر نحن سببها وضحيّتها. لكلّ هذه الأسباب ولغيرها تُعتبر إعادة انطلاق الحركيّة في شرايين جسم الاتحاد من أجل المتوسّط انطلاقًا من طرح وإقرار مشاريع بيئيّة لا سبيل لنا إلا مباركتها والسّعي لدفعها ومتابعة إنجازها للأهميّة القصوى التي نوليها أوّلا لموضوع البيئة ولما نعلّقه ثانيًا من أهميّة على هذا الهيكل المتوسّطي الذي كنّا أوّل المبادرين للترحيب به والعمل على شدّ أزره رغم ما عرفته مسيرته القصيرة نسبيًّا من مدّ وجزر ليس هذا مجال طرحها.