لا يزال موضوع جمع ومعالجة المخلفات الطبية يمثل إشكالا عويصا على المستوى الوطني والإقليمي، ينشد حلولا صحية وبيئية وحسما إداريا ازاء مخاطر دفنها ومعالجتها تحت الأرض. نفايات خطيرة من إبر وحقن وقطن وبقايا العينات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيمياوية وأحيانا مخلفات مشعة ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية. وفي الوقت الذي تشير فيه الجهات الحقوقية والاجتماعية الى خطورة معالجة النفايات الطبية ودفنها وأثر ذلك على البيئة من تربة وماء وهواء، تؤكد الجهات المعنية بالنشاط البيئي ان المشروع يهدف بالأساس الى حماية البيئة من تلك النفايات السامة والخطرة ويشدد على ان تنفيذ الشروط وتطبيق المعايير العلمية من شأنه ان يوفق في تحقيق الأهداف البيئية دون الاضرار بسلامة المحيط البشري والبيئي. فما هي طرق التخلص من النفايات الطبية السامة وما حجم خطورة هذه النفايات والى أي مدى يمكن الوثوق في سلامة معالجة تلك النفايات بالطرق العلمية؟ تشير بعض المصادر الى أن المستشفيات التي تضم حوالي 25 ألف سرير في مختلف الجهات تفرز يوميا ما يقدر ب2.25 كلغ من النفايات للسرير الواحد. وتناهز كمية نفايات الأنشطة الصحية المفرزة وطنيا حوالي 16 ألف طن سنويا وحوالي 7 آلاف طن منها نفايات خطرة و9 آلاف طن نفايات شبيهة بالنفايات المنزلية. ويبلغ عدد المؤسسات الحاملة لتراخيص وزارة البيئة لممارسة النشاط في المجال (جمع ونقل ومعالجة النفايات) 21مؤسسة دخلت 5 منها حيز الاستغلال. وتصنّف نسبة كبيرة من نفايات المستشفيات على أنها خطرة أمام عدم توفر طرق علمية للفصل بين النفايات ورسكلتها. وتعتمد تونس منذ سنوات 1990 إستراتيجية وطنية للتصرف في النفايات الصحية ترتكز على تقنية الحرق. كما صادقت في 2004 على اتفاقية ستوكهولم للملوثات العضوية الثابتة. وتؤكد الجمعيات البيئية على ان حسن التصرف في النفايات الطبية يعد من الأولويات في مجال حماية البيئة في تونس بهدف وقاية المرضى المقيمين بالمستشفيات وأعوان الصحة والمحيط من التلوث. وتعهد عملية إزالة هذه النفايات الى مؤسسات خدمات مرخص لها من وزارة البيئة والتنمية المستديمة في حين يتعين على المؤسسات المتسببة فيها احترام طرق الفرز والجمع والتخزين. التخلص من النفايات الخطرة بما أن تلك المخلفات مصدرها المريض فان احتمال احتوائها على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها مؤكدة، الأمر الذي دعا العديد من الدول والمنظمات العالمية إلى الاهتمام بهذه المشكلة بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذا النوع من المخلفات في أحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار. وتصنف النفايات الطبية حسب خطورتها بين نفايات عادية وهي نوع من النفايات لا يشكل أي خطورة على صحة الإنسان، مثل الأوراق والزجاجات الفارغة المحتوية على مواد غير خطرة، وبعض المواد البلاستيكية والعلب الفارغة وبعض بقايا الأدوية العادية غير الخطرة وبقايا المطهرات مثلا، وكلها نفايات عادية وغير سامة أو ضارة وهذه لا خوف منها على البيئة. الدفن تعتبر طريقة الدفن من الطرق المؤقتة في التخلص من النفايات الطبية وهي تتم باختيار مكان بعيد عن العمران يتم نقل تلك النفايات إليه بحرص شديد لمراعاة السلامة وعدم تسرب أي منها إلى الخارج بطريق الخطإ. وهي طريقة جيدة لها مزاياها في إبعاد هذه المخلفات السامة والخطرة عن جميع مظاهر الحياة على الرغم من أن لها بعض الآثار السلبية مثل إفساد التربة وتصاعد البخار وتلوث المياه الجوفية والزراعية، كما أن هناك صعوبة في اختيار المكان الملائم لمثل هذا الدفن وعدم التحكم في مواعيد الدفن مما يكون سببا في تركها على السطح فترة من الزمن. الحرق وهذه هي الطريقة الثانية المستخدمة في التخلص من النفايات وهي الأكثر صعوبة ولكنها أكثر نجاحا، ولهذه الطريقة أيضا سلبيات عديدة مثل تصاعد الأدخنة الملوثة للهواء وصعوبة صيانة المحارق بالإضافة إلى عدم وضع رقابة صارمة على المحارق، والحرق إما أن يكون مركزيا بمعنى أن الجهات المسؤولة هي التي تقوم باختيار موقع للتخلص من النفايات مما تكون له فائدة في التحكم فيها ومراقبتها جيداً ولكن في الوقت نفسه له أضراره في التأخر في عملية الحرق وطول المسافة حتى تصل المخلفات إلى المحرقة المركزية وكذلك تلويث المناطق المجاورة. وقد يكون الحرق غير مركزي أيضا وهذا يكون أفضل في الكثير من الأحيان حيث تقوم كل جهة صحية بحرق مخلفاتها بنفسها وميزة هذه الطريقة اللامركزية في الحرق ارتفاع كفاءة التخلص من النفايات وسرعة حرقها والحد من المخاطر الناتجة عن نقلها إلى أماكن أخرى للحرق وكذلك تكون نتائج الحرق أقل في كميتها وبالتالي أقل في ضررها. التخلص الحراري وهو من أكثر الطرق تقدما في التخلص من النفايات، وهو يعتمد على تركيز الأشعة على النفايات للتخلص منها، وهي مفيدة جدا ومن أمثلتها طرق الميكروويف الحرارية، ومن النفايات ما يكون خطرا جدا كما سبق أن ذكرنا وهذا النوع من النفايات يتم حفظه أولا في قوالب أو مصبات محكمة الإغلاق حتى لا تسبب تلوث البيئة المحيطة بها مثل النفايات المعدية أو المشعة أو غيرها، ومن ثم يتم التخلص منها بأخذها مباشرة من المصدر إلى مكان التخلص دون التفريغ في حاويات كبيرة مجمعة حتى يضمن التخلص النهائي والسليم لتلك النفايات. مخاوف وتم مؤخرا تداول موضوع احتضان مدينة القيروان لمركز إقليمي للوسط لمعالجة النفايات الطبية يضم مدن سوسة والمنستير والمهدية والقيروان بمختلف مستشفياتها. وقد اثار المشروع تحفظ عدة جهات حقوقية وجمعياتية بمدينة القيروان حول تحويل عاصمة الاغالبة الى مقبرة للنفايات السامة. وقد اثار ذلك استهجان اطراف عديدة اعربوا عن رفضهم وتخوفهم من نشاط مركز معالجة النفايات. ويرون انه من حق المواطنين بمدينة القيروان معرفة دوافع المشروع ومخاطره وكل الإجراءات والاحتياطيات التي اتخذتها كل من وزارة البيئة وبلدية القيروان والسلط الجهوية لحماية المواطنين وبيئتهم قبل الموافقة على مثل هذا المشروع. لجنة رخص البناء التابعة لبلدية القيروان يبدو انها وافقت مبدئيّا على طلب احد الخواص إنشاء بناية بغرض معالجة النفايات الطبية لجهات الوسط وقد سبق أن صدر قرار من وزير البيئة والتنمية المستديمة تحت عدد 19- 2009 يرخص لشركة الوسط للبيئة ( اسم الشركة المعنية بمعالجة النفايات) «بممارسة أنشطة جمع وفرز وخزن ونقل ومعالجة وإزالة نفايات الصحة بالمستشفيات والمؤسسات العمومية والخاصة بولايات القيروان والمهدية وسوسة والمنستير» وحددت الكمية القصوى للمعالجة بستة أطنان في اليوم الواحد. وقد أثار هذا القرار خشية كبيرة لدى العديد من المواطنين وذلك لخطورة مثل هذه النفايات على الصحة والتربة والبيئة. وأوضحت الجهات الحقوقية أن العديد من النفايات الطبية مثل مستلزمات الجراحة والنفايات المشعة المستخدمة في التحاليل الطبية تمثل خطرا حقيقيا على صحة المواطنين والمحيط مهما كانت الطريقة التي تعالج بها. ورأى بعض المتدخلين أنه من المفروض ان تتحرك الجمعية الوطنية لحماية البيئة بالقيروان قصد التنبيه الى الأخطار المحتملة وأن تواجه القرارات المتعلقة بالأنشطة الخطيرة باعتبار دورها الريادي في المجال وتاريخها البيئي الحافل. جمعية البيئة على الخط من جهته أوضح الأخصائي البيئي عامر الجريدي كاتب عام الجمعية الوطنية لحماية البيئة بالقيروان أن مشروع معالجة النفايات الاستشفائية لا يشمل كلّ نفايات المستشفيات، بل بعض أصناف منها. وبين أن المشروع يندرج ضمن برنامج الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات القاضي بتجهيز كامل تراب الجمهورية بمحطات معالجة النفايات بأنواعها من بينها وحدة معالجة النفايات الخطرة بجرادو (زغوان) والمصبات الجهوية لمراقبة (ومنها مصبّ الباطن بالقيروان). وأضاف أن المشروع هو استثمار خاصّ ببادرة من باعث لعلّه اختار المنطقة الصناعية بالقيروان للامتيازات والحوافز الممنوحة بعنوان التنمية الجهوية بالنسبة الى مناطق صناعية كبرى أخرى بالجمهورية (بمنطقة تونس الكبرى، وصفاقس، وجهة الساحل...). مؤكدا أن كلّ ترخيص مشروع صناعي رهين «دراسة التأثيرات على البيئة» مسبقة تشترطه الوكالة الوطنية لحماية المحيط بموجب قانون في الغرض مضيفا أن كلّ مشروع جمع أو نقل أو معالجة للنفايات بأنواعها (منزلية، بقايا زيوت الطبخ، زيوت السيارات، النفايات البلاستيكية، البطاريات..) خاضع لكراس شروط من الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. وختم قوله بالإشارة الى انه كمختص بيئي يوافق المشروع. لكونه مشروعا بيئيا يندرج ضمن برنامج الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.