النداء الذي وجهته سيول الى الادارة الامريكية للمساعدة في اطلاق سراح من بقي من الرهائن الكوريين الجنوبيين المحتجزين منذ اكثر من ثلاثة اسابيع لدى حركة طالبان لا يبدو انه قد يجد اذانا صاغية لدى اصحاب القرار في واشنطن وذلك لعدة اسباب لعل اهمها انه لا احد من الاطراف المعنية بازمة الرهائن يملك القدرة على المناورة او المساومة او هو في موضع يسمح له بفرض شروط او املاءات على طالبان بما يضمن انقاذ حياة من بقي من الرهائن دون اراقة ماء الوجه سواء تعلق الامر بحكومة الرئيس الافغاني قرضاي او كذلك بقوات الحلف الاطلسي هناك ناهيك ان الادارة الامريكية الراهنة سوف تعتبر ان أي محاولة للتفاوض مع حركة طالبان يعني بشكل او باخر اعترافا بالحركة الامر الذي لا يمكن للامريكيين القبول به في العلن باعتباره سيشكل صفعة حادة لحربها المعلنة على الارهاب منذ اكثر من خمس سنوات... الا انه ومع استمرار حرب الاعصاب وعدم التوصل الى تحديد مكان لاجراء المفاوضات بين طالبان والوسطاء في ازمة الرهائن يبقى المشهد مرشح لمزيد التعقيدات لاسيما وان مختلف العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الحلف الاطلسي حتى الان لم تثمر سوى المزيد من الاحراجات مع تكرر الاخطاء وتفاقم عدد الضحايا المدنيين الذين يضطرون لدفع الثمن في كل مرة... لقد اعادت قضية الرهائن المحتجزين في افغانستان الى السطح انعكاسات احدى حروب العصر المنسية في ذلك البلد النائي الذي استعصى على الامبراطورية البريطانية ومن بعدهم السوفيات وذلك ليس بسبب وعورة الطبيعة فيه فقط ولكن ايضا بسبب عصبية سكانه وشراستهم وقد جاءت ازمة الرهائن الكوريين لتكشف جانبا طالما ظل خافيا في تلك الحرب حيث باتت صناعة خطف المدنيين احد الاسلحة الاكثرخطورة والاكثررواجا ولكن ايضا الاكثر اثارة للراي العام الدولي. واذا كانت عملية اختطاف المجموعة الكورية قد اثارت موجة انتقادات حادة في مختلف الاوساط الاعلامية والديبلوماسية فان الطريقة الفظيعة التي لجات اليها حركة طالبان لاعدام اثنين من الرهائن بعد انتهاء المهلة التي حددتها لا يمكن الا ان تؤشر للتوجهات المتطرفة للحركة التي اكدت اكثر من مرة عدم ترددها في تنفيذ تهديداتها لتساعد بذلك في الترويج للكثير من الاحكام والمواقف المغلوطة عن المسلمين وعن احكام الشريعة الاسلامية... والحقيقة ان الحكومة الكورية الجنوبية قد ادركت منذ اللحظات الاولى لظهور ازمة الرهائن وجود اكثر من عنصر من شانه ان يزيد في تعقيد الازمة بل لعل المتتبع لتطورات الاحداث في الصحافة الكوريةالجنوبية من شانه ان يدرك بعض الحقائق المغيبة في الاوساط الاعلامية والديبلوماسية الغربية ذلك انه منذ الساعات الاولى التي تلت نبا الاعلان عن اعدام الرهينة الكورية الثانية كانت الاوساط الكورية تتحدث عن غضب الراي العام الداخلي من الازمة الحاصلة بسبب هوية الرهائن المحتجزين حيث اتضح ان المجموعة التي تضم ثمانية عشرة من النساء وخمسة من الرجال كانوا من المبشرين وهم ينتمون الى احدى الكنائس الشهيرة في سيول وقد نقلت احدى التقارير انهم دخلوا مسجدا خاليا في افغانستان وقاموا بترتيلات مسيحية فيه الامر الذي اثار جدلا واسعا في الاوساط الكورية حول الاهداف الدينية لهذه المجموعات المتدينة في بلد رفض فيما مضى حملات التنصير الاوروبية والامريكية لا سيما امام رواج معلومات بان عدد المبشرين الكوريين الجنوبيين في الشرق الاوسط يعد بالالاف ويشهد ارتفاعا مطردا منذ بداية السبعينات ليحتلوا المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة وفيما يقدر عدد الكوريين الجنوبيين ب17 ألف منتشرين في 160 بلدا فإنّ عدد الأمريكيين يناهز 46 ألفا... وسواء كانت حكومة قرضاي على دراية بهذه الحقائق او لم تكن فانه لم يعد بامكانها باي حال من الاحوال ان تتجاهل اهميتها في بلد يتمسك اغلبية سكانه بالاسلام دينا ويعتبرون ان أي محاولة للمساس به اعتداء على مقدساتهم... وامام رفض واشنطن تكرار ما حدث مع الرهينة الايطالية بدعوى عدم الرضوخ للابتزاز تبقى الخيارات المتبقية لاطلاق سراح الرهائن الكوريين ضئيلة جدا ذلك ان اللجوء الى الحل العسكري لا يحمل نتيجة مضمونة فكوريا الجنوبية ترفض هذا الحل وتعتبره عقيما فالقوات الافغانية ليس لها الامكانيات والقدرات الكافية للدخول في مواجهة مع حركة طالبان التي تنتشر بين الجبال الافغانية ولا تزال تؤرق قوات وادارات الحلف الاطلسي منذ سنوات والقوات الامريكية من ناحيتها لن تقدم على هكذا خطوة الا في حالة واحدة وهي ضمان نجاحها... اما الحل الثاني الذي يفرض نفسه فهو ان تسعى حكومة قرضاي بموافقة امريكية الى مبادلة الرهائن بمبلغ مالي تحدده طالبان الا انه لا شيء يؤشر حتى الان قبول طالبان هذا الخيار على حساب اطلاق سراح ثمانية من عناصرها المسجونين اما الخيار الاخير فهو الاقل احتمالا وهو المتمثل في عملية مبادلة للرهائن مقابل اطلاق سراح عناصر طالبان لم يمكن ان يحمله في طياته من رسائل متناقضة قد تشجع ظهور المزيد من محاولات الخطف فيما يبقى قبول سيول بسحب كافة قواتها من افغانستان صفعة اخرى محتملة للحلف الاطلسي تمهيدا لتفكك التحالف الدولي والتسريع بالانسحابات من افغانستان.... وفي انتظار ان تنفرج ازمة الرهائن بما يمكن ان يساعد الافغان على تجاوز محنهم والخروج من النفق المسدود يبقى الانتظار والترقب سيد الموقف فاذا كان اعدام النساء امر محرم في الاسلام فان اعدام الرجال ايضا ليس بالامر الذي يمكن ان يجيزه الدين الاسلامي....