تونس - الصباح طمعا في التوفيق بين الرغبة في تلبية ما يحتاجونه من جهة وما تفرضه قدرتهم الشرائية من جهة أخرى. أصبح التهافت على استهلاك البضائع المقلدة السمة الأبرز لمن يقبلون على اقتناء البضائع الأجنبية المقلدة التي طالت المنتوج التقليدي المحلي. بل وأصبحت تزاحمه وتقصيه من الأسواق لتحل محله. غزت هذه البضائع الأسواق واستعمرت ذهن المستهلك وسرقت مداخيل أصحاب المهنة. ولم يخف من التقت بهم "الصباح"، بسوق نهج باب جامع الزيتونة بباب بحر امتعاضهم من هذا العدو الذي أصبح يتربص باستقرار الاقتصاد الوطني وبلقمة عيش العاملين في القطاع وبسلامة المستهلك أيضا، بالرغم من تدخل الجهات المختصة وسعيها إلى كبح جماح هذا الخطر. جولة في هذه السوق ورصد رأي أصحاب المهنة ودوافع المقبلين على اقتناء البضائع "التقليدية" المقلدة كفيل بتقديم صورة عن الأزمة. السيدة جميلة "حريفة وفية" على حد قولها لبائعي هذه البضائع "التقليدية" المقلدة. تقول ذلك وقد حملت حقائب وأكياس ملأتها بما تيسر لها شراؤه للإعداد لحفل زفاف ابنتها هذه الصائفة. هي تعلم أن ما اقتنته مقلد، وبالرغم من غياب الجودة وافتقادها تراها محملة بأنواع شتى من البضائع. فهذا إطار بلوري قد طعم بورق الألمنيوم ونقشت عليه رسوم غريبة فزادت من طمس معالمه وهذا إبريق شاي قد لون بألوان باهتة تنذر بقرب زوالها من على حديد مال لونه إلى الاصفرار وتلك حقيبة بلاستيكية لاحت عليها علامات الطلاء المشابه للون الجلد... وكلها دلائل على إقبال على اقتناء المنتوجات الدخيلة يقابله عزوف على اقتناء المنتوج التقليدي المحلي. نهاية معاناة المهنيين رهن وعي للحريف تروج هذه البضائع وغيرها أمام غياب الإقبال على منتجاتنا التقليدية المحلية التي "...يتحمل أصحاب المهنة تكلفة إنتاجها العالية..." مثلما بين ذلك الحرفي محمد علي الشارني. وبرر ذلك بغياب وعي المستهلك وجهله مراحل إعداد المنتوج وتكاليفه وجودته. "فبغياب من يقبل على شراء منتوجنا لا يمكن أن أضمن ديمومة هذه المهنة ورواجها" وأشار إلى أن "الحرفاء سيما الأجانب منهم يعمدون أحيانا إلى اقتناء تذكار مقلد بخمسة دنانير من سوق "بومنديل" مثلا في حين أن تكلفة المنتوج التقليدي الأصلي تصل أحيانا إلى 25 دينارا." يقول الحرفي المختص في صناعة الجلد ذلك محدقا بما يعرضه زميله من بضائع جمعت بين التقليدي المحلي والمقلد المستورد. هذا السلوك الاستهلاكي يخفي إذا حقيقة معاناة أصحاب المهنة وتذمرهم من عجزهم على مجابهته. فاستسلم بعضهم إلى تيار التقليد وأسلم له بضائعه، في حين لا يزال البعض الآخر متشبثا بتقاليده في العمل ومنتجه. فمن أصحاب المهنة من التحق بركب بيع البضائع الأجنبية التقليدية المقلدة مع التمسك، إلى حين، بالمنتوج المحلي الذي وضعه أحمد بدار، حرفي في النقش على النحاس، جنبا إلى جنب مع البضائع المقلدة. وبسؤاله عن الدافع من وراء هذه الثنائية، برر ذلك بأن "المستهلك على وعي ودراية بالفرق بينهما" فيكفي التثبت في السعر والجودة حتى يتبين الفرق. وقدم أحمد مثال عن مجسم "الشيشة" التونسية التي تروج في الأسواق والمصنعة للديكور والزينة مشيرا إلى أن سعر المقلد منها لا يتجاوز 3 دنانير في حين أن الأصلي التقليدي منها يصل سعره إلى 7 دنانير والفرق بينهما في الجودة والنوعية شاسع. وبين مصدر من منظمة الدفاع عن المستهلك أن هذه البضائع آسيوية المنشأ ومحلية الرواج. وأبرز أيضا أن الصين هي المصدر الأول لها "وبالرغم مما تبذله المصالح المختصة من جهود رقابة وتحسيس بخطورة البضائع التقليدية المقلدة على الاقتصاد الوطني فإن وجودها لا يزال قائما". كما أن التقليد لم يعد نشاطا تقليديا بل أصبح مصنعا. من جهتها أكدت الآنسة سعاد العمدوني أن الدافع الذي يجرها وراء هذه البضائع أسعارها البخسة التي تغري الحريف، لكنها أشارت أيضا إلى أن هذا لا يعني بالنسبة لها الغرق دوما في دوامة هذه البضائع المقلدة. بضائع مقلدة تهدد بانقراض المنتوج التقليدي فالآنسة سعاد لها في الاختيار تقاليد محددة: فالمنتوج التقليدي المقلد والمعد للزينة لا شر حسب رأيها من اقتنائه، أما المنتوج التقليدي المقلد والمخصص للاستعمال اليومي فلا سبيل لاقتنائه. وأوضحت أن أمام ندرة هذه النوعية من البضائع فإن الغلبة تكون للمنتجات المقلدة التي تجد نفسها فريسة لأسعارها المغرية وبريقها الساحر. "اكتساح خنق هوية المنتوج التقليدي التونسي المحلي وطمس معالمها..." بهذا التعليق أراد الحرفي محسن المختص في صناعة الجلد تلخيص الأزمة التي تسببت له في خسائر مادية لا يعلم كيف ينهي تتاليها. فالجلد قد عوض بالبلاستيك وطفت على السطح ماركات هجينة يجهل أصحاب المهنة كيفية التصدي لها. فأصحاب المهنة في حيرة بين اتباع ركب البضائع "التقليدية" المقلدة أو التشبث بما ورثوه عن أجيال سبقتهم كما أن الحريف في حيرة أيضا بين تلبية ما يرغب فيه من مقتنيات باتت ضرورية بالنسبة إليه أو التضحية بما يدخره لاقتناء منتوج محلي تقليدي راق يستجيب إلى المقاييس الحرفية المتبعة. وللمستهلك التونسي واجب التفكير في عواقب هذه البضائع التقليدية المقلدة على اقتصادنا الوطني وتأثيرها في الصناعات التقليدية المحلية باعتبارها أشد الفروع حساسية ومهددة بالانقراض أمام زحف هذه البضائع "التقليدية" المقلدة. فالاستهلاك الواعي هو الشرط الأساسي لتطويق الأزمة ويبقى المستهلك هو سيد الموقف في ضمان سلامته من جهة وسلامة الاقتصاد المحلي من جهة أخرى.