تونس - الصباح مثلما ملأ الدنيا بأشعاره التي تغنّي للحياة وتستنهض الهمم ملأ الساحة الفنية جدلا وشدا وجذبا منذ إعلان تكريمه... شاعر تونس أبو القاسم الشابي يبعث من جديد من خلال الدراما الغنائية "الصباح الجديد" التي تفتتح الليلة الدورة 45 لمهرجان قرطاج الدّولي. منذ أن تقرر تخصيص العرض الافتتاحي لمهرجان قرطاج للاحتفال بمرور 100 عام على ميلاد الشابي و75 سنة على مفارقته الحياة لم يهدأ الحديث عن المشاحنات بين الشاعر الغنائي حاتم القيزاني والمنتجة وحيدة البلطاجي حول "ملكية" فكرة العمل الاستعراضي الذي سيحتفي بالشابي ويفتتح قرطاج... وسائل الإعلام بجميع أصنافها تناولت موضوع الصراع بين الوجهين المعروفين على الساحة الفنية البلطاجي والقيزاني.. والنزاع على "الفكرة" وصل إلى حدّ تلويح الشاعر باستقدام "عدل منفّذ" معه في حفل الافتتاح لمنع العرض في حين أعلنت المنتجة نيّتها ملاحقة القيزاني قضائيا بتهمة التشهير.... عاصفة هوجاء اندلعت وتسبّبت في تأجيل موعد الندوة الصحفية في مناسبتين في مرحلة أولى ثم إرجاؤها إلى ما بعد العرض الافتتاحي في مرحلة ثانية وهي من الأمور التي نادرا ما حدثت في افتتاح قرطاج إن لم تكن سابقة. المهم أن العاصفة هدأت بعد أن تدخّلت سلطة الإشراف لإرضاء الطرفين... وفي النهاية ستكتب لنا متابعة "الصباح الجديد" مساء اليوم.... لكن بأي وجه ستظهر هذه الدراما الغنائية وهل ستكون في مستوى اللغط الذي رافقها والأهم من كل ذلك هل ستكون في مستوى وحجم شاعر شغل الناس بأشعاره محليا ودوليا على اعتبار أن أشعاره ترجمت إلى لغات أجنبية وباتت مادة تدرّس في أعرق الجامعات. على الورق يبدو العمل الذي أنتجته شركة واب للفنون ضخما ولكن تبقى مسألة تحويل ما على الورق إلى صورة ناطقة باسم الشاعر ومرآة عاكسة لتوهج شعره وكلماته في عهدة المنتقين لتنفيذه على المسرح. يستشفّ من الأوراق المقدّمة للعرض أن منتجته تراهن في هذا العمل بالأساس على التعبير الجسماني والحركة المتناسقة والغناء الدرامي الذي يعتمد على الحوار الغنائي بين مجموعة من الأشخاص الذين لهم القدرة إلى جانب الطاقة الصوتية على الحركة المسرحية الراقصة بما سيسهل تمرير فكرة "الأوبيريت" التي ارتأى أصحابها أن لا تكون تأريخا لأحداث مرّت ولا استعراضا لواقع معيش إنما ولادة جديدة للشعر بجميع مراحلها وبصفة أدق شعر الشابي . الفكرة كما يريد أصحابها أن تصل تنطلق باستفاقة صورة الشابي الشعرية فتقع مطالبته بالنشيد لذا يترك عالمه العلوي وينزل إلى أرض الواقع ويكتشف الحالة الاجتماعية والسياسية والواقع الإنساني فيشعر بالغربة إلا أنه يقرّر الصراع فيقف ضد العوائق لإزاحة الظلم والظلام ويتكاثر مناصروه من الشعب ويحقق المنشود فينبلج نور الصباح الجديد لقاء الصوت والحركة "الصباح الجديد" سيلوح بفضل مجموعة من الوجوه الفنية المعروفة وبسواعد الشباب الذي تراهن عليه منتجة العرض.. غنائيا ستتوزع الأدوار على 10 أصوات تزاول تعليمها العالي - كما ذكرنا سابقا - في المعهد العالي للموسيقى سنستمع إلى مهدي العياشي يجسد غنائيا دور الشابي وهيثم الخذيري في الثعبان المقدّس وروضة بن عبد الله وملاك الفضلاوي في دور الحوريتين وستنطق أسماء بن احمد باسم فينيس وسيلتقي أمين سعيّد وحمزة الجراية في دور المعارضين فيما يقف كل من نزار بوصحيح وشهاب في صف المناصرين وتلعب نوال بن صالح دور فتاة تونسية . تلتقي أصوات هؤلاء بلوحات تمثيلية يؤمّنها كمال العلاوي - جمال مداني - فتحي المسلماني - مصطفى قوضاعي - منال عبد القوي - رشدي القاسمي - أيمن بن نفيسة - منير العلوي - راضية العريضي وعماد المي. مهمة هؤلاء إلى جانب الراقصين وباقي الفريق لن تكون سهلة لتحويل نص الفكرة الذي وضعه محسن بن نفيسة لهذا العرض الافتتاحي الذي يقول عنه "هو بعث جديد للشاعر وإفاقته من رميم الكلمات.. بعث لا يرمي من ورائه للتمجيد وإنما التحليل والنقد بأساليب فنية وجمالية وربط حبل التواصل مع الآخر.. فأبو القاسم الشابي هو أنا وأنت وكل الضمائر في بعض.. فكر وحس ووجدان... وهو في كل الحالات حي يرزق بفنّه" نعم أبو القاسم الشابي حي بقصائده الخالدة... حي بأشعاره التي تقطر كلماتا سهلة ممتنعة... تغذّي الحلم وتدعو إلى النور وإلى كسر القيود وإلى مقارعة الظلم بالأمل... دعوة نأمل أن نراها مجسّدة بصدق يعكس صدق الداعي إليها... كما نأمل أن نرى الليلة على الركح مفاجأة تنسينا المفاجآت غير السّارة التي عشنا على وقعها على امتداد أسابيع... فهل سنرى الشابي الذي نريد.. الشابي الذي نحب... سننتظر فعرض الافتتاح لناظره قريب.