تونس الصباح تتالت المناسبات والتقت جنبا إلى جنب متجندة لتعلن الحرب على جيب المواطن، فأصبح بذلك عاجزا عن تسديد نفقاته دون اللجوء إلى التداين الذي خرم ميزانية الاسر وقلبها رأسا على عقب. وما زاد طين الاقتراض بلة. حلول فصل الصيف بأفراحه ومواسمه وبذروة الانفاق فيه بالتزامن مع شهر رمضان الذي بات قاب قوسين أو أدنى ليليه عيد الفطر مصحوبا بالعودة المدرسية والجامعية مباشرة. وكلها مناسبات تدق فيها تلك الجيوب نواقيس الخطر ليجد المواطن نفسه أمام نفقات يتم اعتماد التداين كحل لسدها. هل أصبح التداين شرا لا بد منه ولا مفر من اللجوء إليه أم أن المواطن هو سيد الاختيار؟ سؤال يطرح تزامنا مع ما يعيشه التونسي من مناسبات ونفقات متراكمة. وقصد الاجابة عنه وكشف الستار عن ملامحه سلطت "الصباح" الضوء على العوامل المفسرة لهذه الظاهرة وحاورت الشارع التونسي. فتطرقت إلى الخيارات المتاحة أمام من وجدوا أنفسهم رهن عواقب هذه الظاهرة. كما لم تغفل عن الكشف عن المخلفات السلبية التي يتكبدها التونسي سيما أمام تغافله عن جدولة نفقاته والالتزام بالسلوك الاستهلاكي الواعي والمتوازن. أصبح التداين جزء من سلوكيات التونسي وأمام بعض الظروف المادية الصعبة تجد العائلات نفسها مجبرة على التأقلم معها، كل حسب حاجياتها، لكنها تلتقي في مصب واحد وهو اللجوء إلى التداين كحل مؤقت للخروج من مآزق طالت وطأتها وأثقلت كاهل من يعانون منها وشكلت لهم عبءا يصعب تحمله. ذلك هو حال 85.3 بالمائة من الاسر التونسية التي شملتها الدراسة الصادرة عن منظمة الدفاع عن المستهلك منذ شهر. فأكد المستجوبون اعتمادهم التداين كوسيلة لسد نفقاتهم. وفي حين برر البعض ذلك بعجز المرتب بمفرده عن تلبية الحاجيات المتراكمة أرجع البعض الاخر ذلك إلى تنامي نفقاته دون وعيه بخطورة ذلك. خياران أحلاهما مرّ تتصدر نسبة المتزوجين طليعة المقبلين على التداين لتصل إلى 73.3 بالمائة من المستجوبين. فالسيد أمين يؤكد أن بالاضافة إلى الديون المتخلدة بذمته والتي فاقت قيمتها دون الاداءات الخمسة ملايين من مليماتنا تتكبد زوجته أيضا عناء سداد قرض الثلاث ملايين الذي اقترضته لشراء تجهيزات كهرومنزلية "رغبة في التجديد لا غير" وهو ما أثقل كاهل كليهما وشكل مصدر ندم كل منهما" على حد قوله. وواصل السيد أمين قوله "هذا الوضع أرقني وأثر سلبا في حياتي اليومية التي أصبحت فيها مهووسا بكيفية تسديد القروض المتراكمة في أقرب وقت ممكن..." ولا عجب إن تداين 39,4 بالمائة من المستجوبين أكثر من ثلاث مرات ف"... الاقتراض لمرة واحدة يجر المقترض إلى الغوص في دوامة الاقتراض مجددا..." مثلما أشارت إلى ذلك السيدة هاجر التي وجدت نفسها مجبرة على التداين من أقاربها بالاضافة إلى المال الذي اقترضته من البنك. وفي حين تتصدر البنوك قائمة مصادر الاقتراض بنسبة 77,7 بالمائة هناك من اختار اللجوء إلى العائلة والاصدقاء أيضا كحل بديل. وهو ما اعتمدته السيدة هاجر التي تؤكد أن "... البنوك ملاذ الاغلبية وهي السند وقت الشدة غير أن ضماناتها وشروطها تبقى أمرا يصعب تحمله لذلك أعتمد أيضا على الاقارب والاصدقاء ومن أثق في أنهم لن يخيبوا آمالي إذا ما احتجتهم ليمدوا يد المساعدة... وإن كانوا قلة...". التنويع في مصادر التداين خيار ناتج عن كثرة المتطلبات والالتزامات العائلية خاصة في المناسبات العائلية والموسمية كالاعياد والاعراس وغيرها من المناسبات الاخرى. هي مناسبات تدفع المواطن إلزاما إلى التداين المفرط أحيانا دون التحسب بطريقة جدية لعواقبه الوخيمة. ولكن وطأة الاقتراض من العائلة والاصدقاء قد تصبح أشد وطأة إذا ما اقترنت بخلاف حول آجال التسديد ليصبح هذا الحل معادلا للاقتراض من البنوك. كثرة المتطلبات والمناسبات دفعت المواطن إلى التنويع في مصادر تمويل نفقاته. ولكن هذه الوسيلة تجعل من الازمة أكثر تعقيدا. وأشار السيد حبيب العجيمي نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك إلى أن "... التداين الاسري دون أخذ مستوى الدخل والراتب بعين الاعتبار يعد خطأ فادحا يجعل من المواطن عاجزا عن جدولة نفقاته... لذلك يبقى الوعي بترشيد الاقتراض حسب الامكانات المتاحة عنصرا أساسيا لتفادي الوقوع في مثل هذه المآزق التي يصعب الخروج منها...". قسوة الاختيار من جهته فسر السيد أمين دوافع لجوئه وزوجته إلى التداين بثقل مصاريف أسرته. وما عمق الازمة القرض الذي اقترضه لاستكمال بناء المسكن الذي تقطن فيه عائلته المتكونة من ستة أفراد. وأشار إلى أن ما زاد الطين بلة تتالي وتيرة المناسبات ونسق الانفاق معها "فلم يعد بالامكان اللحاق بركب تسديد القرض في آجاله سيما أمام عجز الراتب على مجابهة النفقات المتراكمة" على حد قوله. ولان اختلفت دوافع التداين والاسباب الكامنة وراءه بين شراء منزل أو بناؤه و شراء قطعة أرض وتزايد المتطلبات الشخصية والعائلية، سيما المنزلية منها، ورغبة البعض في اقتناء بعض التجهيزات وشراء سيارة... فإن هذه الاسباب من شأنها أن تزيد في حدة الازمة وتعمق عجز المواطن على مجابهة المصاريف المتراكمة. خاصة في فترات متتالية مما يحول دون إمكانية الترفيه عن النفس. ويجد بذلك من لجأ إلى التداين نفسه أمام مشاكل جمة كان بالامكان تفاديها والتخفيف من وطأتها. وعن هذه المشاكل تتحدث الانسة شادية عن تجربة صعبة عاشتها وأفصحت عن ملامحها بعد جهد: فعائلتها أصبحت تواجه أزمة مالية بحق أمام عجز والدها بمفرده عن مواصلة تسديد القرض الذي ترافقه فوائده منذ ثلاث سنوات. هذه الوضعية جعلتها مجبرة على العمل للمساهمة في إنقاذ أسرتها ووقايتها خطر التتبعات العدلية. وأشارت شادية إلى المعاناة التي تعيشها جراء غياب عوامل الترفيه فقالت: "إن الحل يكمن في الضغط على المصاريف وتأجيل الترفيه إلى حين فيكفي الاقتصار على الضروريات والحاجيات الاساسية" وهو" اختيار قاس وتضحية لا بد منها" على حد تعبيرها. حلول مشروطة لا يسع إذا إلا تأكيد خطورة هذه الظاهرة خاصة أمام التحديات التي تفرضها المناسبات المقبلة والتي تهدد مجددا جيب التونسي وسلامته. لذلك لا مفر من ضبط ميزانيته وبرمجة نفقاته حسب الاولوية والاهمية، من الضروري وصولا إلى الكمالي منها، وذلك وفق نمط استهلاكي عقلاني مثلما أكد ذلك نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك ف"... ترتيب الاولويات وسط الاسرة حل لا مفر من اعتماده لتفادي الوقوع في متاهات التداين ومخلفاته".