تونس الصباح عرض «القوّالي» الانشادي الذي قدمه مساء أمس الأول على ركح مسرح قرطاج الأثري الثنائي رضوان ومعزّم مجاهد علي خان من باكستان ربما يكون مثّل اكتشافا بالنسبة لفريق من الجمهور الذي حضره ولكنه بالتأكيد لم يكن كذلك بالنسبة لفريق اخر من هذا الجمهور.. فقد سبق لمسرح قرطاج الأثري ولمهرجان قرطاج ذاته ان استضاف منذ سنوات أحد أقطاب فن «القوّالي» المنشد الباكستاني الراحل نصرت فتح عليّ خان الذي يعدّ الأب الروحي والرمز الأبرز للانشاد الديني الصوفي في باكستان.. واذا كانت حفلات وعروض القوّالي الراحل نصرت فتح عليّ خان في قرطاج قد مثّلت في ابانها شكلا من أشكال التعريف بهذا الفن لدى الجمهور التونسي فان عرض الثنائي رضوان ومعزّم مجاهد عليّ خان ليلة أمس الأول يأتي من أجل التأكيد بأن رحيل المنشد الكبير نصرت فتح عليّ خان وان كان سيترك فراغا كبيرا فانه لا يعني اطلاقا بان فن «القوّالي» الباكستاني الأصيل سينقرض او يندثر.. تلامذته ومريدوه وما من شك في أن مجرد الوقوف على حقيقة ان الثنائي رضوان ومعزم مجاهد عليّ اللذين «خلفا» نصرت فتح عليّ خان في تقديم فن «القوّالي» الانشادي الباكستاني والترحال به من بلد من آخر لا فقط من تلامذة هذا المنشد الكبير ومريديه بل وكذلك ينتميان الى عائلته الموسعة عائلة خان الباكستانية التي توارث أفرادها أمانة المحافظة على هذا النوع من الانشاد الديني الصوفي الذي يُعدّ تراثا فنيا وروحيا باكستانيا نادرا يحكي جانبا من خصوصيات الحياة الدينية في باكستان سيجعل كل من يحضر عرض هذا الثنائي يرهف السمع ويقبل على متابعة مختلف مقترحاته الانشادية ليرى ما عسى الأحفاد هم فاعلون بميراث الأجداد خاصة عندما يكون هذا الميراث مادة تراثية ثقافية وروحية وطنية نادرة لها خصوصياتها.. قوة الصوت.. قوة الحضور الثنائي رضوان ومعزّم مجاهد عليّ خان كانا وهما يتصدران ليلة امس الأول على طريقة شيخهما الراحل نصرت فتح عليّ خان المجموعة المصاحبة والمتكوّنة من عازفين ومردّدين وكأنهما يريدان الايحاء بأنهما سائران على نهجه وأسلوبه في تقديم «القوّالي» وانهما لا ينويان «التصرّف» بأي شكل من الأشكال في هذا الموروث الانشادي الباكستاني ذي الخصوصية. فالتعويل بقي بالكامل في هذا العرض الانشادي على قوة صوت المنشد وقدرته على ترجمة مختلف مراحل الترقي الروحي والانفعال بواسطة التحكم في توظيف طبقات صوته من جهة وكذلك على قوة الحضور الركحي للمنشد في حد ذاته باعتباره أحد عوامل الأخذ بلبّ المستمع وشد اهتمامه.. الجمهور الحاضر وهو يتفاعل في صمت احيانا وبالتصفيق احيانا اخرى مع عرض الثنائي رضوان ومعزّم مجاهد عليّ خان بدا وكأنه ملامس وهاضم بالكامل للمعنى الروحي لمختلف القطع الانشادية التي تضمّنها برنامج العرض وهو لعمري دليل على توفّق المجموعة في ترجمة وابلاغ الرسالة لا فقط الروحية للعرض بل وكذلك الثقافية ايضا بالمعنى الانثروبولوجي لكلمة ثقافة.. لقد مثّل عرض «القوّالي» للثنائي الباكستاني رضوان ومعزّم مجاهد عليّ خان ليلة أمس الأول على ركح مسرح قرطاج الأثري «لحظة» حوار ثقافي عميق و«طريف» بين مجموعة انشادية باكستانية مؤتمنة على جانب من الموروث الروحي والديني في باكستان وبين جمهور تونسي في اغلبه وان لم يكن غفيرا في عدده فانه كان «متفهّما» ومقبلا على العرض وهاضما لابعاده (العرض) الثقافية والحضارية.. وما من شك في أن عروض فرجوية وفنية من هذا النوع هي التي تعطي في الواقع لمهرجان قرطاج بعده لا فقط الدولي بل وأيضا الثقافي والفني الراقي..