مع بدء العد التنازلي للمؤتمر السادس لحركة "فتح" المنتظر في الرابع من الشهر القادم بمدينة بيت لحم الفلسطينية يبدو المشهد الفلسطيني محاطا باكثر من نقطة استفهام بشان قانونية وجاهزية المؤتمر سياسيا وشعبيا ومطوقا باكثر من فتيل قابل للاشتعال في كل حين بعد القنبلة التي اطلقها فاروق القدومي في العاصمة الاردنية عمان بشان تورط قيادات فلسطينية واخرى اسرائيلية وامريكية في تصفية الزعيم الراحل ياسر عرفات لا سيما بعد اصرار ابو اللطف على المضي قدما في مواقفه المعلنة وتاكيده على صحة الوثيقة التي اعتمدها في اطلاق اتهاماته وتهديده لاحقا بعقد مؤتمر مواز للحركة في الخارج مع ظهور انباء عن استعداد الجزائر لاحتضان مثل هذا المؤتمر بما يرجح تاجيل الحلول المطلوبة الى ما لا نهاية والدخول في متهاهات المزيد من الخلافات والانشقاقات داخل الساحة الفلسطينية التي لا تحتمل المزيد بعد ان بلغ الحوار الفلسطيني - الفلسطيني حتى الان مرحلة تبدو مستعصية مع فشل جولات الحوار المتكررة في مصر بعد ان باتت بدورها اقرب الى المهزلة مع اصرار كل طرف من الاطراف على توجيه الاتهامات الى الاخر وتحميله المسؤولية لتبقى بذلك العصا قائمة وتمنع العجلة من الدوران الطبيعي . والحقيقة ان المتامل في التطورات الخطيرة التي طرات على الساحة الفلسطينية في الفترة الاخيرة من شانه ان يدرك حجم التعقيدات القائمة وهي تعقيدات لا يمكن باي حال من الاحوال ان تمنع طرح الاسئلة المطلوبة واثارة ما يمكن اعتباره بمثابة المحرمات في ملف تغييب الزعيم الراحل ابو عمار. وحتى تفجير ابو اللطف قنبلته لكن سرا بالمرة ان الختيار تعرض لعملية تسميم عندما كان محاصرا في المقاطعة وان اصابع الاتهام ظلت منذ البداية موجهة للبلدوزر شارون وربما لمتعاونين من حوله مع سلطات الاحتلال ولعل في التقرير الطبي الفرنسي ما رجح بدوره هذا الامر ولكن دون ان يحسم نهائيا في الامر لتبقى بذلك جريمة اغتيال عرفات قابلة للكثير من المراهنات والقراءات ومفتوحة على كل المزايدات والاحتمالات الامر الذي جعل ابو اللطف يقبل هذه المرة على اعتماد مقولة "علي وعلى اعدائي" ليقلب الطاولة على الجميع دون استثناء بما في ذلك شخصه ومسيرته ومصداقيته كزعيم تاريخي طالما اقترن اسمه بالقضية الفلسطينية وبحركة "فتح" وذلك قبل ايام فقط على المؤتمر السادس والاول من نوعه للحركة منذ عشرين عاما . ولو ان التصريحات التي جاءت على لسان ابو اللطف قبل ايام كانت صدرت عن أي مسؤول فلسطيني اخر لربما لم تكن لتحدث نفس الوقع الذي احدثته داخل وخارج المشهد الفلسطيني حتى الان فليست هذه المرة الاولى التي تصدر فيها تقارير بشان اغتيال عرفات ولكنها الاكيد المرة الاولى التي يتحول فيها هكذا تقرير الى برميل بارود قابل للانفجار في كل حين... واذا كان ابو اللطف يعتبر انه الاحرى بالزعامة وانه الاقدر على مواصلة المسيرة النضالية وجمع صفوف الفلسطينيين فان ابو مازن بدوره يعتبر انه الاقدر على مخاطبة القوى الدولية وانه الاكثر شرعية عندما اختار العودة الى فلسطين لبناء نواة الدولة المستقبلية... ولاشك انه عندما يكون القيادي فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية وراء تلك التصريحات فان الامر لا يمكن ان يمرفي هدوء وسيجد بالتاكيد اكثر من جهة لاستثماره سلبا او ايجابا كل على طريقته وحسب اهدافه وغاياته بعد ان تراجعت القضية الوطنية لتتحول الى قضية قابلة لكل المقايضات والمزايدات في مقدساتها وشرعيتها بين المتصارعين على سلطة وهمية لا تملك من السلطة غير الاسم وهي ايضا تصريحات سيجد لها انصار ابو اللطف كما انصار ابو مازن من الابعاد والدوافع ما ينذر بتحويلها الى حرب كلامية لا تقبل الهدنة فيما يتابع السواد الاعظم من الفلسطينيين المحاصرين داخل كانتونات الضفة وسجون القطاع في ياس ما يحدث من حولهم فيما يواصل الاسرائيليون في صمت لا يخلو من دهاء بناء المستعمرات وتوسيعها وتهجير اهلها واستقدام جيوش اليهود الفلاشا من كل انحاء العالم... قد يعتبر البعض ان الامر لا يزيد عن عاصفة في فنجان وانه قريبا ستغيب تلك التصريحات ولكن الارجح ان الامور اعقد واخطر مما قد يبدو وان الكل على استعداد لكل شيء ولاي شيء لضرب الاخر وتقزيمه امام العالم والدخول في مرحلة لا يمكن ان تقدم ولكنها بالتاكيد تساعد على تحقيق الكثير من التقهقر والتراجع وما بلغه ابو اللطف وابو مازن حتى الان من تدهور في العلاقات قد يعجز عن دوائه امهر الخبراء والمحللين وتقف دونه كل الوصفات السياسية والحلول المستوردة من المختبرات الاجنبية وكلا الطرفين يدرك ان وحده الشعب الفلسطيني سيكون الحكم في نهاية المطاف وان هذا الشعب لن يتردد في اعلان موقفه ممن اساء الى قضيته وتسبب في ايذائه ايا كان موقعه وايا كانت دوافعه وان هذا الشعب لن يقبل بهكذا وضع الى ما لانهاية والارجح ان كل من ابومازن و ابو اللطف يدركان هذه الحقائق ولايمكنهما التغافل عنها او تجاهلها ولذلك فان كل خطوة من جانبهما ستكون تحت المجهر مستقبلا... ولعل الايام القليلة القادمة من شانها ان ترجح هذا التوجه في ظل تمسك كل طرف من الاطراف بموقفه بشان المؤتمرالقادم الذي بات رهينة بين ادعاءات المتناحرين وتجاذباتهم... بل ولا شك ان تاخر ابو اللطف خمس سنوات كاملة لتفجير قنبلته بشان اغتيال عرفات لن يجنبه بدوره الانتقادات ولن يوفر له ايضا ما يمنحه بطاقة ادانة واضحة في حق القيادات الفلسطينية التي اشار اليها ولن يساعده ايضا على ازالة مشاعر الاستياء والاحباط لدى مختلف فئات الشعب الفلسطيني التي باتت تشعر بالقرف من هذا الوضع وتنظر الى الجميع بعدم الرضا والارتياح وتتحدث علنا عن ضرورة توفر قيادة جديدة تمتلك من المصداقية ما يمكن ان يؤهلها لمواجهة استحقاقات القضية واعادة ترتيب البيت الفلسطيني واستعادة ثقة الراي العام الدولي الذي طالما كان مكسبا للفلسطينيين وحقوقهم التاريخية المشروعة...