تونس الصباح: تتقاطع الاصوات وتتشابك الكلمات الفرنسية حتى لا تكاد تفقه حرفا واحدا من «ركام» الحديث، حيث يلازم عامل مركز النداء الحاسوب والسماعة طيلة ساعات دون توقف هذه خصائص العمل في اكثر من 200 مركز تشغل 17000 عامل اغلبهم من خريجي الجامعات. فبدأت مع هذه الطفرة في القطاع تظهر مشاكل اهمها الضغط النفسي وعدم التنسيق بين بعض الشركات التي لم تنضم لميثاق غرفة القطاع اضافة الى تناثر النقابات وغياب التنسيق في ما بينها. لم يجد احمد المتخرج من الجامعة التونسية عملا في اختصاصه حال تخرجه من الجامعة فلجأ الى مركز نداء حيث يقول «اقضي اكثر من 9 ساعات يوميا تتخللها اوقات للراحة لا تتجاوز العشرة دقائق كل ساعتين» ويضيف ربما تبدو 500 دينار مقابل هذه الساعات الطويلة مبلغا مقبولا». وهنا يشدد السيد لمجد جملي احد اعضاء نقابة مركز نداء ببن عروس ان «القانون الاساسي يحدد عدد ساعات العمل في القطاع مما يجعل تصرفات بعض الاطراف خارج القانون». لكن يذهب السيد رضا بن عبد السلام رئيس الغرفة الوطنية لاصحاب مراكز النداء ان «الشركات المنخرطة في الغرفة تحدد عدد الساعات التي لا تتجاوز 40 ساعة وفي صورة وجود خروقات فان الغرفة تتدخل» ويذكر «ان 70% من العقود مثلا في احد مراكز الشرقية لا تتجاوز 30 ساعة اسبوعيا». لكنه يرجع اغلب التجاوزات الى وجود منافسة من شركات غير منخرطة في الغرفة. وبالنسبة لتعريفة هذه الساعات يؤكد السيد لمجد انها تتحسن رغم انها قد تراجعت في فترات معينة اضافة الى ان الدولة اخذت اجراءات عديدة خاصة من خلال تخفيض تكلفة المكالمات. وربما يستطيع احمد تحمل التعب لكن زميلته وفاء تجد صعوبة كبيرة في العودة للعمل في اليوم الموالي فتضطر لبذل مجهود اكبر لمفارقة الفراش فتقول «ليتني وجدت عملا في اطار اختصاصي فأنا استاذة فرنسية فسيكون وضعي افضل».يؤكد السيد رضا في خصوص الحديث عن خريجي الجامعات ان مراكز النداء ليست معنية بالشهادات الجامعية اذ يتم الانتداب على اساس اتقان اللغة لا غير لذلك اصحاب هذه المراكز غير مطالبين بمراعاة الشهادات الجامعية في اي من جوانب العمل. مشاهد كثيرة في مراكز النداء غير طبيعية خاصة حالة التدخين الهستيرية التي تصيب العملة في هذه الاماكن اذ لا تكاد تخلو يد شاب او شابة من السجائر ناهيك عن استهلاك القهوة الذي يقترب من حجم استهلاك الماء وهذا امر طبيعي بالنسبة للطفي احد العاملين بمركز بالشرقية «اذ التدخين محاولة للتخفيف من الشد العصبي ومجابهة ما يقارب 400 مكالمة يوميا وساعات التركيز المضني عند شاشة الحاسوب الامر الذي يرهق حاستي السمع والبصر خاصة وان الاجهزة المستعملة قديمة لكن بعض المراكز الاخرى حاولت حسب السيد لمجد «الاستجابة لطلبات النقابين في الموضوع فأرست فحصا دوريا للاذن لتجنب وقوع امراض مزمنة» ولكن يضيف السيد لمجد (الكاتب العام لنقابة احد مراكز النداء ببن عروس) «الضغط النفسي ليس مصنفا ضمن الامراض المهنية في القانون التونسي لذلك يصعب طرحه على طاولة المفاوضات». وفي الماقبل ينفي السيد رضا بن عبد السلام أن تكون الشركات المنخرطة في الغرفة تمنع الموظفين من الراحة كل ساعة لان العرف المتداول عالميا هو راحة كل ساعة تمتد من 5 الى 10 دقائق اضافة الى نصف ساعة للغداء. وجه اخر من المعاناة احترام الحريف، تبجيله شعارات مرفوعة داخل مراكز النداء تدعو العامل الى احترام «حضرة الحريف» مهما كانت الظروف والاقوال. على كل هذا تعلق حذامي «محاولة حل مشكل اعترض الزبون الاجنبي او عملية اقناعه بجدوى منتوج معين ليقتنيه تعترضها عدة صعوبات في مقدمتها سوء سلوك بعض الحرفاء». في العادة تبدو كلمات مثل «انت صاحبة صوت جميل.. ما هو لون عينيك؟..» كلمات محبذة لدى الفتاة لكنها في مراكز النداء منبوذة وعنوان توتر شديد للعاملات خصوصا. وفي هذا الاطار يقول السيد رضا «ان هذا العمل تحدث فيه المفاجآت لذلك يجب على العامل تحمل بعض سوء الاخلاق لدى الحريف لكن مثل هذه المشاكسات قليلة الحدوث ويمكن تجنبها وعموما لا يوجد حل جذري لهذا الموضوع». والمضايقات التي يرمي بها الحريف عمال مراكز النداء كثيرة وليست من نصيب الفتيات فقط فأحمد مثلا يبين «لقد تمنيت في عديد المرات لو انني استطيع الدخول من خلال سماعات الهاتف لمواجهة مخاطبي لفرط ما رماني به من ألفاظ واتهامات جزافية. دون ان اتحدث عن الذين يرفعون سماعة الهاتف لازعاجنا فقط اني اتمالك نفسي في اللحظات الاخيرة». ورغم كل المشاكل فان فترة الاستراحة موجزة لكنها فرصة للخروج من دائرة الضغط فهي مناسبة لتفريغ شحنات الانفعال التي تسببها مشاكل الحرفاء ورقابة المسؤول. مشاكل بالجملة يصر السيد رضا ان «مشاكل المراكز الدخلية كالضغط النفسي وغيره تعود الى سوء تنظيم الوقت لدى العامل ناهيك عن تجاهله لحقوقه خاصة في ما يخص التغطية الاجتماعية فالعامل يريد اخذ مال اكثر فقط فيتجنب الانخراط في التغطية الاجتماعية كي لا تخصم من اجره معاليم معينة فيساهم في تكريس التجاوزات التي تقوم بها بعض الشركات؟؟ وبالنسبة للطفي فان اشد المشاكل التي تعترضه في عمله بمركز النداء هي صعوبة الحصول على عطلة كما يزداد الضغط النفسي بمطالبة المسؤولين له بالعمل في عديد الاختصاصات باجر واحد. اما نقابيا فان السيد لمجد يعتبر ان تفكك النقابات السبعة وعدم التنسيق اضافة الى تنوع الشركات وعدم التزام كثير منها بميثاق الغرفة الوطنية لاصحاب مراكز النداء هو من اكبر العوائق التي تعترض المهنة. ويتفق الجميع نقابيين واعراف وعمال على ان الكثير من المشاكل قد تم حلها في كثير من المراكز اذ تم مثلا بالمركز الذي يعمل به السيد لمجد زيادات في الاجور بنسبة مهمة. كما ان هذه الاطراف تسعى الى انشاء اتفاقية قطاعية ويأمل السيد رضا بن عبد السلام ان يتم الوصول الى هذه الاتفاقية في القريب العاجل لتنظيم القطاع خاصة وان الاطراف النقابية بدورها تقوم بدراسات والمسألة على حد قوله «مرتبطة بعامل الزمن لا غير». من الاكيد ان قافلة مراكز النداء تسير بسرعة لا يمكن ايقافها خاصة وانها تخفف العبء على سوق الشغل لذلك من الضروري تدعيم ذلك بأطر قانونية تحفظ جميع الحقوق.