يشتكي الكثير من الحرفاء بمختلف شركات التأمين من تعطيل ملفاتهم وطول الانتظار للحصول على مبالغ التعويض والتي عادّة لا تُرضيهم، ويوجّهون أصابع الاتهام إلى الخبراء لسوء تقديرهم للخسائر الماديّة الناتجة عن الحوادث وشركات التأمين «لعمدها» البحث عن الثغرات في ملفاتهم للضغط على قيمة التعويضات. ويقول السيّد محمد الحضري خبير في شؤون السيارات والميكانيك العام «نتعرض إلى مشاكل متعددة ومتنوعة مع الحريف تصل إلى حدّ التطاول واتهامنا بتعطيل الملفات أو عدم تقدير القيمة الحقيقية والخسائر الناتجة عن الحوادث، وتحتدّ هذه المواجهات خاصة عند إقرارنا بأنّ الحادث مفتعل، فبعض الحرفاء يعمدون إلى التحيل بإقحامهم طرفا ثانيا كعنصر متسبب في الحادث لإثبات «نقطة الصدام» بمعنى إيجاد سبب تقني واضح للعيان لإدراجه بالتقرير باعتباره من أهمّ الإثباتات.» ويضيف السيد محمّد الحضري «أنّ الإحصائيات أثبتت أنّ 10% من الحوادث «مفبركة» يلجأ الحريف من خلالها إلى «التفليم» والتحايل للحصول على تعويضات خاصّة في حالة الإنزلاقات أو الإنقلابات الفردية للسيارة» وقد يسقط بعض الحرفاء ضحية تحايل البعض الآخر، إمّا لوجود خطأ في تشخيص ووصف الحادث أو لجهل في طريقة « تعمير» الوثائق أو لغياب «نقطة الصدام» وهي معضلة المشاكل التي تبدأ بالاعتراض من قبل الحريف، فتلجأ شركة التأمين إلى تعيين خبير ثان لإعادة تشخيص الحادث وتقدير التعويضات وأحيانا إلى حكم ثالث تعيّنه الجامعة التونسيّة لشركات التأمين لفضّ الخلاف الذي يصل في أحيان أخرى إلى القضاء. و يُضيف السيّد محمدّ الحضري «من مصلحتنا أن نرفع في قيمة تعويض الحوادث لأنّنا نتقاضى أجرنا بحساب النسبة المائوية عن كلّ ملف يُدرس، ولكن هذا لا يعود علينا بالنفع، فنحن نخضع إلى مراقبة «الضمير المهني» من جهة ومراقبة شركات التأمين من جهة ثانية، وأغلب الملفات تخضع إلى المنطق والتقييم العلمي المتعارف عليه من ذلك قيمة قطع الغيار المعروف سعرها بالسوق أو قيمة اليد العاملة المتعامل بها، و الخبير يسعى دائما إلى أن تكون له سمعة مشرفة في وسطه المهني» في المقابل فإنّ للمواطن رأي مخالف في هذا الشأن يتهّم فيه شركات التأمين بالتحايل والضغط بطريقة أو أخرى على قيمة التعويضات، بل هناك من يتّهم الخبراء بالابتزاز وتعمّد الضرر بمصلحة الحريف، وتتضارب الآراء بين مفنّد ومقرّ وناف للاتّهامات. اختصاصات مفبركة قد تتدخل الهيئة العامة للتأمين في حالة لجوء الحريف إليها كطرف ثالث ووسيط باعتبارها تمثّل سلطة الإشراف والمراقبة بالرغم من أنّ الفصول الواردة بمجلة التأمين لا تخوّل للهيئة الحقّ في الردع بل تقف مسؤوليتها حدّ «السلطة المعنوية» وتترك للقضاء في مرحلة أخيرة قوله وفعله بعد توجيه الحريف ومحاولة التدخل بين جميع الأطراف. ويُرجع السيّد محمد الحضري مشاكل القطاع إلى ممارسة بعض الخبراء مجال اختبار السيارات بغير الاختصاص المطلوب، فخبير شهادته وتكوينه في الميكانيك العام أو الآلية العامة يمارس مهام خبير سيارات والحال أن مجال الإختصاصات مختلف تماما، بل هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويقرّ بما هو أخطر من هذه الوضعيّة، فيقول السيّد إسماعيل يمبعي رئيس جمعية الخبراء التونسيين لسلامة الطرقات أنّ «هناك من لا علاقة له لا بهذه الإختصاصات ولا بتلك، ومجال شهادته لا علاقة له بالسيارات، فبمجرّد حصوله على شهادة خبرة في مجال عام دون ذكر دقيق للإختصاص، يمكن أن يحصل على صفة خبير أي كان، بالاكتفاء بتعمير كراس شروط وتقديمها إلى الأطراف المعنية وينتهي الأمر» وتترك مهمة المراقبة والتثبت من الملفات إلى الهيئة العامة للتأمين . هؤلاء أصبحن «خبيرات» يقول السيّد اسماعيل يمبعي «أنّ هناك من الخبراء من يكلّفون زوجاتهم أو سكريتاراتهم بتصوير الأضرار وأحيانا بتقييم الملفات، لم لا فقد تصل التجاوزات إلى أبعد من ذلك فهناك من يمتهنون هذه المهنة وهم بسلك الوظيفة العمومية وفي نفس الوقت يضعون «الطابع» على التقارير». فمن المسؤول ... وكيف تُحمى المهنة ...ومن يضمن حقوق الحريف ؟ يقول السيّد منجي الطويل رئيس الغرفة النقابية الوطنية لخبراء السيارات والمعدّات الصناعية «تسعى الغرفة إلى التحسيس والتأطير والتوجيه وفضّ النزاعات بأسير السبل ودراسة النقائص الموجودة بالقطاع، فمقارنة بعدد ملفات حوادث الطرقات الموجهة إلى شركات التأمين والتي تُعدّ بالآلاف فإن عدد التشكيات المرفوعة تعتبر ضئيلة، وكلّ الأطراف بدورها تسعى إلى مواكبة التطورات الحاصلة على المستوى الإقتصادي والتقني وخاصة ما يهمّ قطاع التأمين بصفة عامّة». فالحريف تحميه شركات التأمين من جهة والهيئة العامة للتأمين من جهة ثانية والقضاء من جهة ثالثة، وفي المقابل على الحريف أن يتثبت من كلّ شاردة وواردة ويسأل أهل الذكر. ولحماية القطاع وأهل المهنة يؤكّد السيّد اسماعيل يمبعي رئيس جمعية الخبراء التونسيين لسلامة الطرقات على ضرورة تأطير الخبراء الجدد وتوجيههم في اختصاصات تكوينهم البيداغوجية، وتكثيف المراقبة و إعادة النظر في القوانين المنظمة لعمل الخبير بصفة خاصة وقطاع التأمين بصفة عامة.