تونس - الصباح: في إطار مهرجان الياسمين برادس كان الموعد مع عرض لمسرحية «عبد الجبار حلّ الكتاب» أحدث إنتاجات مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة بإدارة المسرحي عبد القادر مقداد. لمسرحية من تأليف أحمد عامر وإخراج عبد القادر مقداد وبطولة مجموعة شابة من عناصر المركز برهنت من خلال أدائها الجيّد على أن مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة يضطلع بدوره كاملا-لا فقط-في مجال إثراء المشهد المسرحي بإنتاجات ابداعية لها «طعمها» و«رونقها» الابداعي المميز ولكن أيضا في مجال تأطير وتكوين الممثلين الشبان وحتى التقنيين في مختلف اختصاصات المهن الدرامية. «عبد الجبار حلّ الكتاب» هي عمل يتجاوز في حجمه وأبعاده مجرد عرض مسرحي بالمعنى المتعارف عليه ليلامس حدود «الاحتفالية المسرحية» الضخمة بالمعنى -لافقط- الفرجويّ بل وكذلك الابداعي والفني.. احتفالية وظّف من خلالها الفنان عبد القادر مقداد وسائل شتى من «تقنيات» صناعية الفرجة المسرحية سواء منها ما هو بوسائل تكنولوجية (صور فيديو -خيال الظل) أو ما هو بأداء تمثيلي (كوريغرافيا- انشاد..) . أما اللافت أكثر -هنا- فهو ذلك الحضور الكبير للفنان عبد القادر مقداد في هذا العمل بوصفه مخرجا وخاصة بصفته ممثلا كبيرا أضفى بأدائه التمثيلي المبهر والحرفيّ في أداء دور المشعوذ عبد الجبار.. أضفى على العرض مسحة من الواقعية الساخرة بل وأحيانا من «الرهبة» أيضا.. رهبة تجعل المتفرج يشعر بأنه «في حضرة» دجّال ومشعوذ حقيقي.. سحر وقوة الحضور التمثيلي للفنان المسرحي عبد القادر مقداد في مسرحية «عبد الجبار حلّ الكتاب» بدا لنا شبيها بسحر وقوة الحضور التمثيلي للراحل حمدة بن التيجاني في مسرحية «الماريشال» الشهيرة مع ما يعنيه ذلك من «كاريزما» ومن قدرة على الاقناع والأداء التمثيلي تستعصي حتى على مجرد التقليد.. فالذين حاولوا تقليد الراحل حمدة بن التيجاني في دور «الماريشال» فشلوا وكذلك سيفشل كل من سيحاول لاحقا تقليد عبد القادر مقداد في دور المشعوذ في مسرحية «عبد الجبار حلّ الكتاب» ذلك أن أمثال هؤلاء الفنانين والممثلين المسرحيين الكبار عادة ما يطبعون حضورهم وأداءهم التمثيلي في أعمالهم المسرحية بطابع ذاتي فريد يستلهمونه من عمق موهبتهم وخصوصية أدائهم التمثيلي وقوة حضورهم الركحي. والواقع أن باقي أبطال مسرحية «عبد الجبار حلّ الكتاب» وهم في أغلبهم مجموعة من الممثلين الشبان والمخضرمين ينتمي جميعهم الى مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة قد أبلوا بدورهم البلاء الحسن في ابلاغ المضمون الدرامي والفرجوي للعمل.. فالممثل العيد بوعوني والممثلة دينا بن عمر وكذلك حمزة بن داود وهيبة عزعوزي ومحمد الصالح الآجري وحسن بن ربح وعواطف مبارك.. فضلا عن مجموع الممثلين والممثلات الذين قدّموا اللوحات الراقصة والانشادية للعرض.. جميعهم كان في الموعد من خلال هذا العمل وحاول بكل حماس إثراءه والارتقاء بمستواه الفني والفرجوي. مسرح الروح والهوية مسرحية «عبد الجبار حلّ الكتاب» هي مقاربة درامية ساخرة لظاهرة انتشار الشعوذة والمتاجرة بالمقدّس وبمآسي الناس البسطاء.. عرّج من خلالها المؤلف والكاتب المسرحي أحمد عامر بلغة بقدر ما هي بسيطة ومتداولة بقدر ما هي عميقة و«بنت بيئتها» على عديد الظواهر الاجتماعية فحاول أن يكون -لا فقط-ناقدا وساخرا بل وأيضا منبها وقارعا للأجراس ولكن بعيدا عن الأسلوب الوعظي الثقيل والركيك.. على أن اللافت أكثر في هذا العرض المسرحي هو تلك الحلّة الاخراجية التي كساه إياها المخرج عبد القادر مقداد والتي جعلته يبدو -أحيانا- أقرب في شكله الى العرض الاحتفالي وبأبعاده الفلكلورية بالمعنى الأنتربولوجي للكلمة.. وهو شكل يجعل المتفرج يشعر بأنه في حضرة عرض مسرحي تونسي الروح والهوية..مسرح ناضل من أجله طويلا أجيال من المسرحيين التونسيين من أولئك الذين وقفوا ولا يزالون ضد كل أشكال الانبتات الثقافي والتبعية في مجال المسرح.. وما الفنان المسرحي عبد القادر مقداد- على سبيل الذكر لا الحصر -إلا أحد هؤلاء.. هذه الهوية الثقافية الوطنية التي تميز الخطاب الدرامي والفرجوي لمسرحية.. «عبد الجبار حلّ الكتاب» هي التي تجعله يبدو مؤهلا وبامتياز لكي يكون حاضرا - في رأينا- كممثل للمسرح التونسي في المهرجانات الدولية خارج تونس وذلك قبل أي نوع آخر من أشكال العروض المسرحية «التونسية» الأخرى!!