تونس الصباح هل هي العودة التدريجية لحالة اقتصادية عادية بعد عاصفة الأزمة الشديدة التي هزت اعتى الاقتصاديات على امتداد السنتين الاخيرتين؟ يبدو ان المؤشرات المختلفة تفيد بذلك حيث عادت الحيوية الى اكبر البورصات، ونشطت اسواق المعاملات المالية العالمية، في حين خرج الناسداك الامريكي من فتوره النسبي في المدة الأخيرة، كل ذلك على خلفية الاستقرار في اسعار النفط والمواد الغذائية اضافة الى عودة حركة التصدير والتوريد الى بعض النشاط خاصة على مستوى مجموعة دول ما يسمى بالبريك BRIC البرازيل روسيا الهند والصين. هذه الحيوية او الحركية الجديدة اعتبرتها الأطراف المعنية بالوضع الاقتصادي العالمي احد ابرز المؤشرات على بداية تعافي الاقتصاد العالمي، وهو ما يحيل نفس هذه الأطراف على متابعة اداء الدول المختلفة وتحليل مبادرتها واجراءاتها وكيفية تعاملها مع الازمة الأشرس التي عرفها العالم منذ سنة 1929، وتبدو تونس واحدة من التجارب الناجحة والرائدة والتي ستثير اهتمام أكثر من طرف وجهة على غرار المؤسسات المعنية بالتقييم وبتحليل الاداء الاقتصادي لمختلف دول العالم، في هذا السياق نشرت الصحيفة الناطقة بالايطالية «رسالة تونس» II Corriere di tunisi في عددها لشهر اوت الحالي مقتطفات واسعة من تقرير بامضاء فرانكو نيغرو مستشار الشؤون المغاربية لدى وزير الأنشطة المنتجة في الحكومة الايطالية، تحت عنوان «القطاعات الاستراتيجية التونسية محور تنميتها الأساسية». اجراءات رائدة ونتائج فورية في تقييمه لاداء الاقتصاد الوطني في السنة الماضية 2008 والنصف الاول من السنة الحالية 2009 يقول المحلل الايطالي «لقد سمحت الاجراءات المتخذة في جويلية 2009 من قبل الرئيس زين العابدين بن علي وخاصة فسح الحوافز الخاصة بالمؤسسات غير المقيمة على سائر المؤسسات الاقتصادية التونسية الى غاية سنة 2010 بفتح افاق جديدة امام الاقتصاد التونسي، عن طريق تعزيز الهيكلة المالية للمؤسسات التونسية من خلال احداث الية جديدة لدعم المؤسسة الاقتصادية، ومن المنتظر ان تخصص لهذا الغرض اعتمادات في حدود 25 مليون دينار». الى جانب هذه المقاربة الرائدة يشير صاحب التقرير الى ان هذه الاجراءات التي سمحت بتخفيف العبء على المؤسسة التونسية كان لها اعمق الاثر على مستوى استقطاب مؤسسات كبرى عالمية بما ساهم في تعزيز التشغيل ونقل الكنولوجيا واشعاع دولي اكبر لتونس وجهة للاستثمار الاجنبي الناجح ويقدم صاحب التقرير كشفا مطولا عن اهم المؤسسات الاجنبية التي انتصبت في بلادنا في المدة القليلة الماضية. ويضيف صاحب التقرير قائلا ان هذه المعطيات «قد جعلت الصندوق الدولي للاستثمار يقدم توقعات ممتازة متعلقة بتونس، من ذلك ان تونس ستسجل أعلى نسبة نمو في كامل منطقة «مينا» MENA (منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا) الى غاية سنة 2014، في حين ترشح مؤسسات اخرى مثل معاهد المراقبة الدولية تونس لتحقيق نسبة نمو في حدود 8% سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة «ويؤكد الخبير الايطالي ان الاجراءات الرئاسية الأخيرة تكشف مدى حرص الرئيس بن علي على تأمين القرارات الصائبة خدمة للاقتصاد التونسي، اضافة الى حرصه على دعم نقاط القوة التقليدية في النسيج الاقتصادي التونسي مثل: النسيج، صناعة مكونات السيارات، والمايكرو الكترونيك وغيرها من القطاعات، وهو ما سمح بتوفير قاعدة اندماج اوسع لقطاعات جديدة وخاصة منها المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصال في النسيج الاقتصادي التونسي». تكنولوجيا المعلومات قاطرة النمو في المرحلة القادمة في معرض تناوله لتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، باعتباره قطاعا محوريا في الاقتصاد الوطني اليوم يقول المستشار الايطالي «ان المكانة الرائدة التي يحتلها هذا القطاع في الاقتصاد التونسي تعود اساسا الى الاستثمارات اللافتة التي تم انجازها في السنوات القليلة الماضية وخاصة الاستثمارات الكبرى التي تم تنفيذها على مستوى النهوض بالموارد البشرية» ويذهب بذلك الى القول بان تونس قد تمكنت بفضل هذه السياسة من احراز المرتبة الاولى مغاربيا وافريقيا على هذا المستوى، ما يجعلها احدى اقرب الدول الى العمالقة الجدد المنتمين الى مجموعة «بريك» BRIC (البرازيل، روسيا، الهند والصين) والتي تعتبر اليوم المحرك الابرز للاقتصاد العالمي. ويؤكد صاحب التقرير ان تونس قد نجحت بفضل حيوية قطاع الاتصالات سنة 2008 في تحقيق اعلى نسب النمو في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وهو قطاع مرشح لمزيد التطور خاصة وان الاستثمارات المرصودة له ستشهد نسبة نمو لا تقل عن 15% على امتداد السنوات الخمس القادمة، بالاضافة الى دخول الرخصة الثالثة لاستغلال شبكتي الهاتف الجوال والقار من قبل شركة «ديفونا اورنج» حيز النشاط الفعلي بداية السنة القادمة 2010 الأمر الذي سيكون له حسب صاحب التقرير :الاثر الاكيد في تعزيز تنافسية القطاع من جهة خاصة تطور الاستثمارات على المستوى المادي والبشري، وفي النهاية فإن ذلك سيشكل حافزا اضافيا لتحقيق نسب نمو ارفع» في الأخير وفي تقدير صاحب التقرير، فان الأداء الجيد للاقتصاد التونسي في فترة الازمة بفضل اليقظة والحرص الذي ابداه الرئيس بن علي شخصيا على متابعة تطور الوضع الاقتصادي التونسي، وخاصة نجاحه في احتواء المضاعفات السلبية بشكل جيد، كان له الأثر الاكيد في احتفاظ تونس بمكانتها المميزة افريقيا ومغاربيا من حيث مواصلة تحقيق نسب طيبة، وهوما سيكون له دوره في دعم صورة تونس في الخارج على اساس انها اثبتت قدرتها الفائقة على التاقلم مع مختلف الوضعيات والسيناريوهات بما يضمن حتما لها مكانة تفاضلية في الاقتصاد العالمي لفترة ما بعد الازمة.