تونس الصباح تأكد الآن أن تونس "أفلتت" جزئيا من المضاعفات الخطيرة للأزمة المالية والاقتصادية العالمية بالرغم من كون حوالي ثلاثة أرباع مبادلاتها التجارية ما تزال مع جيرانها الأوربيين الذين تأثروا سلبا بالأزمة بنسب متفاوتة.. لكن كيف ستتطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال الأشهر والسنوات القادمة بعد بروز تقييمات متباينة للمؤشرات الاقتصادية خلال المرحلة القادمة في أمريكا وأوروبا واليابان والصين؟ هذه الإشكالية كانت محور ندوة علمية اقتصادية نظمها معهد الدراسات الدولية التابع لجمعية دراسات دولية أول أمس الجمعة بمقرها في " الخلدونية " في نهج العطارين بالمدينة العتيقة.. بمشاركة عميد كلية الاقتصاد سابقا الأستاذ المنصف بن سلامة والكاتب العام لاتحاد المصارف المغاربية الأستاذ ادريس فارس والخبير الاقتصادي عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة الأستاذ عادل بوصرصار والخبيرين الجامعيين رضا الشكندالي وشيحة قحة ووزير التجارة سابقا الأستاذ الطاهر صيود وسفير رومانيا بتونس صوران مايكل طاناسكو. 3 تقييمات متباينة تقييمات الخبراء للازمة العالمية وانعكاساتها على تونس تباينت بين 3 تيارات: متفائلون بقرب خروج العالم والمنطقة من الأزمة مقابل تيار متشائم جدا وتيار ثالث "متفائل بحذر شديد".. الخبير الاقتصادي الدولي سفير رومانيا بتونس طاناسكو استبعد سيناريو الانفراج الاقتصادي الدولي قريبا.. واعتبر خلال ورقة معمقة أن الأزمة الاقتصادية ستمتد لأن أسبابها العميقة ليست مالية واقتصادية بل أخلاقية.. بعد انتشار التحيل.. العولمة تزامنت مع انتشار قيم جديدة "لا أخلاقية" immoralité أضعفت دور الدولة والمؤسسات العمومية وأفرزت بحثا عن الربح السريع و"شرعت" في التحيل لتحقيق الربح بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.. وانتشار التجارة غير المشروعة في ميادين عديدة كما تفاقمت ظاهرة الاستفادة غير القانونية من الإعفاءات الجبائية.. وهو ما نتج عنه بروز فئة من "الأغنياء الجدد" الذين لا يدفعون الضرائب وينجحون في الاستفادة من الآليات والفرص التي وفرتها العولمة.." كما ربط الخبير الأوروبي بين الأزمة الحالية وتراجع قيمة العمل وتزايد مخاطر التوظيف المشروط والإحالة على البطالة.. مثلما يعكسه تعدد حالات الانتحار في مؤسسة فرانس تيليكوم.. الذي فسر في فرنسا بتشديد الشروط التي تفرضها المؤسسة على موظفيها وعمالها.. ثغرات النظام الاقتصادي العالمي الحالي ونوه عدد من الخبراء المشاركين في الندوة بافلات اقتصاديات عدد من دول الجنوب ومن بينها تونس من المضاعفات الخطيرة للازمة الاقتصادية العالمية.. وخاصة من بعض المظاهر الخطيرة للازمة ومن بينها أن المبالغ التي رصدت لانقاذ عدد من كبرى البورصات والمصارف والبنوك العالمية انفق جزء كبير منها لفائدة كبار الشركات.. سلبية الاعتماد الكلي على الدولار وسجل عدد من المحاضرين من بينهم الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي السيد رضا الشكندالي ورجل الأعمال والخبير السياحي السيد عادل بوصرصار أن من بين نقاط القوة بالنسبة للاقتصاد التونسي خلال الازمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية أن تونس نوعت معاملاتها النقدية ولم تعتمد على الدولار الامريكي فقط.. في وقت تأكد فيه أن من بين أسباب الازمة الدور الذي يلعبه الدولار في الاقتصاد الامريكي والعالمي.. واعتبرعدد من المتدخلين بينهم الاستاذ المنصف بن سلامة والسيد عادل بوصرصار أنه حان الوقت للتخلي عن الاعتماد الكلي على الدولار باعتباره العملة المقياس الوحيد عالميا.. بحكم التخلي عن تقييمه بالدولار.. تيار متفائل ولئن استبعد كثيرمن الخبراء الاقتصاديين خروج شركاء تونس الغربيين من الازمة الاقتصادية مع مطلع العام الجديد رغم بروز مؤشرات انتعاشة بالنسبة لمؤسسات مالية عالمية احتكارية، فان الاستاذين المنصف بن سلامة وعادل بوصرصار يرجحان سيناريو الانفراج القريب بالنسبة للاقتصاد الاوروبي والعالمي.. وهو ما يعتبرونه مؤشرا ايجابيا بالنسبة للاقتصاد التونسي والمغاربي الذي لم يتأثر سلبا بالازمة العالمية الا بنسب محدودة.. وكان التخوف من أن تبرز المؤشرات السلبية العام القادم.. في صورة استفحال الازمة عالميا.. في نفس الوقت أكد الخبراء المتفائلون والمتشائمون على أن الانتعاشة ستكون عالميا واقليميا رهينة انتعاشة مؤسسات الانتاج أكثرمن تبعيتها لمؤشرات انتعاش قطاع الخدمات.. ففي الولاياتالمتحدة وأوروبا لا يمكن الحديث عن انتعاشة حقيقية اذا لم تشمل المؤسسات الصناعية العالمية الكبرى مثل شركات السيارات جنرال موتورز وفورد وأوبل ورونووبيجو.. الخ.. تقارير صندوق النقد الدولي واعتبر الاستاذ المنصف بن سلامة أن من بين ما يرجح فرضية الانتعاش خلال الاشهر القادمة ثم عام 2010 عالميا واقليميا ووطنيا ماسجل منذ 3 أشهر من ارتفاع مؤشرات النمو الاقتصادي.. وسجل المحاضر أنه منذ مطلع هذا الشهر صدرت إحصائيات ايجابية عن صندوق النقد الدولي بالنسبة لأهم المؤشرات الاقتصادية.. رغم بروز مخاطر قد يطول مداها بالنسبة لملفي التشغيل والتداين.. هل يمكن توقع سيناريو للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية الحالية قريبا إذن؟ حسب المشاركين في الندوة هناك تيار يدعو إلى العودة إلى المقاييس الاقتصادية العادية.. ذلك أن إدارة اوباما وإدارات اوروبية وضعت على الطاولة سياسة إصلاح اقتصادي تتمثل في تأطير أفضل للمؤسسات المتحكمة في مسار القطاع المالي والمصرفي.. لكن هذا التمشي لن يكون كافيا إذا لم يقترن بخطوات أخرى من بينها إعادة النظر في وضعية الدولار عالميا.. وإذا لم تتخذ خطوات ملموسة لوقف مخاطرعودة السياسات "الحمائية" وتدخل الدولة المقنعة والعلنية حماية للاقتصاديات الاوروبية والامريكية.. مثلما يكشفه تنافس الساسة الاوروبيين والامريكيين خلال التنافس القائم حاليا بين مؤسستي بوينغ وايرباص.. التحولات التكنولوجية وسجل الاستاذان الطاهر صيود والمنصف بن سلامة أن انتعاشة صناعة السيارات بدأت عالميا.. وهو ما تستفيد منه اقتصاديات المناولة مثل تونس.. لكن مع التقدم التكنولوجي السريع واعطاء اولوية في الدول الغربية للسيارات الصغيرة الحجم وقليلة الاستهلاك للطاقة، فان مخاطرعديدة ستبرز بالنسبة للدول جنوب المتوسط ومن بينها تونس لأنها تنتج مكونات لشركات السيارات الحالية التي تمر بصعوبات والتي قد تتجاوزها الاحداث.. مضايقات للمهاجرين في نفس الوقت اعتبر الاستاذ الطاهر صيود وزير التجارة سابقا وسفير تونس في بروكسيل مرتين سابقا أن من أخطر انعكاسات الازمة الاقتصادية في اوروبا على دول جنوب المتوسط التاثيرات السلبية المرتقبة على ملف الهجرة القانونية وغير القانونية.. والاستغناء عن نسبة من المهاجرين العرب والمغاربيين.. واعتبرالسيد الطاهر صيود أن المؤشرات الحالية تنبئ بانتعاشة اقتصادية نسبية في دول الاتحاد الاوربي الشريك الاقتصادي والاجتماعي الرئيسي لتونس لكن القطاع الصناعي في دول الجنوب يظل الاكثر تاثرا بالازمة وهو ما سينعكس على ملف البطالة والامن الاجتماعي.. وأورد السيد الطاهر صيود أن العالم لن يقلع مجددا بسهولة وليس من الوارد اعادة الاقلاع بصفة مطمئنة في 2010.. بل يجب اعادة توزيع الخرائط الاقتصادية العالمية بطريقة مختلفة عما كان عليه الامر قبل ذلك.. واعتبر الطاهر صيود أن من بين نتائج الازمة العالمية الحالية الحد من نسب النمو في دول الجنوب.. ومن بينها تونس.. وتراجع الاستثمارات الخارجية المباشرة جزئيا.. في المقابل برزت مؤشرات ايجابية من بينها اعادة انتصاب بعض المؤسسات الاوروبية في تونس والبلدان المغاربية نتيجة تراكم الصعوبات في اوروبا.. وهو معطى من المفيد الاستفادة منه.. وفي هذا السياق تبرزحاجة البلدان المغاربية الى سياسة مالية ونقدية قوية.. نعم.. ولكن ما هي آفاق المستقبل؟ وكيف يمكن الخروج من مضاعفات هذه الأزمة على المدى المتوسط والبعيد؟ السيد عادل بوصرصار عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة وعضو مجلس المستشارين والمستثمر في قطاعي السياحة والاسفار يرى أنه لا ينبغي تهويل مظاهر الأزمة.. دون تجاهل بعض المؤشرات التي تستوجب مزيدا من اليقضة والحزم.. والتحرك الناجع.. وسجل بوصرصار بروز بوادر الانتعاشة في تونس اقتصاديا وسياحيا..من ذلك أن الاستثمارات الخارجية المباشرة في تونس في نمو باستثناء المحروقات.. ولئن تأثرت صادرات النسيج الشعبي سلبا فان قطاع النسيج المتطور والراقي في وضعية جيدة انتاجا وتصديرا.. السياحة.. وانفلونزا الخنازير وفي قطاع السياحة اعتبر السيد عادل بوصرصار أن الازمة اثرت على تسويق المنتوج السياحي اقليميا ووطنيا لعدة اسباب من بينها : - عدم انتعاش سوق التشغيل في أوروبا رغم بعض مؤشرات الانتعاشة الاقتصادية.. - والحملات الصحفية حول الانفلونزا.. التي اثرت سلبا على الحجوزات الخاصة بفصل الشتاء..فيما سبق لقطاع السياحة أن تاثرسلبا بحلول شهر رمضان.. خاصة بالنسبة للزبائن الجزائريين الذين تقلص عددهم نتيجة حلول شهر رمضان مبكرا.. - كما تسببت الأزمة الاقتصادية في انخفاض نسب المؤسسات الغربية التي تنظم رحلات سياحية ضمن سياحة المؤتمرات في بلدان جنوب المتوسط..والنتيجة أن نقص عدد السياح القادمين من السوق الاوروبية بنسبة 8 بالمائة.. خاصة بالنسبة للاسواق التقليدية أي فرنسا والمانيا وايطاليا مقابل ارتفاع نسبي بالنسبة للسياحة البريطانية بفضل دعم شركات الطيران والمؤسسات السياحية.. هل يكون السياح الجزائريون والليبيون هم البديل والحل ؟ حسب السيد عادل بوصرصار فان السوق المغاربية ساهمت ب3 ملايين سائح وسجل ارتفاع المداخيل من العملة الصعبة بالنسبة لتونس رغم انخفاض قيمة الدينار.. لكن غالبية السياح المغاربيين لا يقيمون في الفنادق.. وهو ما اثر على عائدات المؤسسات السياحية في حدود 10 بالمائة الى 20 بالمائة.. وهي ظاهرة تفاقمت بسبب التخفيضات غير المهنية للاسعار.. من قبل بعض أصحاب الفنادق " الدخلاء".. لكن الحصيلة اجمالا هي تفوق البوادر الايجابية على مؤشرات الازمة..