مع انها لم تحمل مفاجاة تذكر و لم تخرج عن اطار مختلف التوقعات و القراءات التي رافقت مختلف استطلاعات الراي على مدى الحملة الانتخابية فقد جاء الاعلان عن نتائج الانتخابات العامة في اليابان والفوز العريض الذي تحقق للمعارضة لاول مرة في تاريخها ليضعها امام جبل من التحديات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و حتى الامنية التي لايستهان بها في بلد الشمس الساطع حيث تتداخل قضايا الركود الاقتصادي والبيروقراطية الخانقة مع تفاقم البطالة والفساد و كساد الاسواق المالية مع هرم سكان البلاد و انتشار ظاهرة الانتحار بين الشبان من الجنسين و تراجع موقع اليابان كثاني اكبر قوة اقتصادية فيالعالم لصالح العملاق الصيني... بل ولاشك ان نظرة سريعة على ما حملته لغة الارقام في طياتها بعد التقدم العريض للحزب الديموقراطي على منافسه الحزب الديموقراطي الليبيرالي صانع المعجزة الاقتصادية في اليابان والذي سيطر على السلطة على مدى اكثر من نصف قرن دون انقطاع من شانها ان تساعد لا على فهم توجهات الخارطة السياسية اليابانية مستقبلا والتحالفات المرتقبة اقليميا ودوليا في منطقة لا تخلو من الصراعات و لكن ايضا في تحديد خيارات الناخب الياباني في هذا السباق بكل ما يمكن ان تعنيه من اصرار على التغيير في سياسة الحكومة عندما تفشل في كسب رضائه اوعلى الاقل الحد من غضبه واستيائه. واذا كان العملاق الصيني اول من اعلن استعداده للتعاون مع الحكومة المرتقبة في اليابان فان الحليف الامريكي الذي تربطه علاقات خاصة مع اليابان منذ الحرب العالمية الثانية لا يزال يتطلع الى كشف مواقف رئيس الحكومة المقبلة هاتوياما الذي رفع بدوره شعار التغيير لخدمة الناس و المعروف خاصة بمواقفه الداعية للاستقلالية عن الولاياتالمتحدة و التقارب اكثر و اكثر مع الدول الاسيوية المجاورة... ولعل في اجماع الخبراء والملاحظين على وصف نتائج الانتخابات في اليابان بالزلزال واصرارهم على تفسير ما حدث بانه نجم عن احباط من الحزب الديموقراطي الليبرالي الحاكم اكثر من كونه تاييدا للمعارضة ما يعكس الكثير بشان التحولات الحاصلة في المشهد السياسي وما يفرضه على الحزب الحاكم من ضرورة مراجعة سياساته وخياراته بما يمكن ان يساعده على استعادة مصداقيته بين مختلف الفئات اليابانية التي اختارت معاقبة الحزب الحاكم على اخفاقاته وفشله في تنفيذ وعوده فعمدت بذلك على طريقتها الى اقصائه عبر التصويت بكثافة في صناديق الاقتراع.. اكثر من رقم كان له دلالاته في هذه الانتخابات المثيرة. ويكفي الاشارة الى ان اكثر من سبعين في المائة من الناخبين اليابانيين الذين يتجاوزون المائة مليون ناخب كانوا على موعد مع الاقتراع يوم الاحد الماضي ليقولوا كلمتهم ويحددوا مواقفهم ازاء مختلف الملفات والازمات العالقة اما النقطة الثانية التي لا تخفى على مراقب فهي تتعلق بما حصده الحزب الديموقراطي اليبيرالي المعارض من مقاعد في مجلس النواب بلغت ثلاثمائة وسبع من المقاعد وهو اكثرمن ضعف المقاعد التي كان يسيطر عليها في السابق في المقابل فقد تراجع عدد المقاعد التي كانت للحزب الحاكم من ثلاث مائة مقعد الى مائة وست مقاعد بما لا يضع أي مجال للتشكيك في النتائج وهو ما يعني ان الحزب الديموقراطي بسيطرته المطلقة على البرلمان سيكون بامكانه تنفيذ برامجه واصلاحاته فيما تظل اعينه مسلطة على اهتمامات الناخب الياباني الذي سيكون على موعد جديد مع الانتخابات خلال اربع سنوات لتكون الحكم في تحديد مستقبل اليابان و مستقبل الديموقراطية فيه...