بامكان جورج ميتشل ان يعود الى منطقة الشرق الاوسط بعد ايام او بعد اسبوع او حتى بعد اشهر وبامكان ميتشل ان يجري من اللقاءات الثنائية وغيرها مع المسؤولين الاسرائيليين ما شاء لكنه لن يكون بامكانه الخروج باكثر من تلك التصريحات القديمة الجديدة التي ما انفك يرددها في كل مرة في لقاءاته الصحفية وهو في طريق المغادرة الى مطار بن غوريون وفي اكثر الحالات لن يستطيع ميتشل الخروج باكثر من بضع صور يضيفها الى البوم صوره مع المسؤولين الاسرائيليين والسبب طبعا لا يرتبط بشخص ميتشل الديبلوماسي الامريكي المحنك الذي جعل من التفاؤل والصبر شعارا له في مسيرته السياسية الطويلة وما تحقق له خلالها من انجازات تحسب له خاصة فيما يتعلق باتفاق السلام في ايرلندا الشمالية وهو ايضا ليس بسبب جهل الرجل بخصوصيات المنطقة و التعقيدات الكثيرة التي يواجهها مسار السلام فقد اثبت ميتشل اكثر من مرة المامه العميق بالكثير من خبايا الشرق الاوسط ... فليس سرا بالمرة ان ميتشل الذي انزعجت اسرائيل لتعيينه مبعوثا للسلام في الشرق الاوسط بسبب الدماء اللبنانية التي تسري في عروقه نسبة لامه لا يصنع القرارات السياسية ولا يحدد توجهات الخيارات الامريكية ولكنه اداة تنفيذية فهو مطالب بالجلوس الى الاطراف المعنية والاستماع اليها اكثرمما هو مطالب بالحديث اليها .وقد كانت لقاءاته المكوكية الثلاثة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي محكوما عليها بالفشل لسبب بسيط وهو ان نتنياهو كان يسعى لتجميد الاستيطان لمدة تسعة اشهرفيما يبدو ان ميتشل كان يطمح للاعلان عن تجميد الاستيطان لمدة عام حتى يتمكن من الاعلان عن لقاء ثلاثي بين اوباما وناتنياهو وعباس على هامش اجتماعات الجمعية العالمة للامم المتحدة الاسبوع القادم وهو ما لايمكن باي حال من الاحوال اعتباره انجازا يحسب لصالح ميتشل او للمسيرة السلمية ولمصير الشعب الفلسطيني الذي راهنت قيادته على الدور الامريكي في حل الصراع المستمر منذ عقود قبل ان يتضح افتقارهذا الدور لابسط قواعد النجاح وهي الموضوعية والحياد و الالتزام بالشرعية الدولية فليس من المبالغة في شيء اقرار بان كل تجميد مؤقت للاستيطان يظل مرادفا للاحتلال واصرارا على الهروب الى الامام وتنصلا من المسؤولية السياسية والقانونية والاخلاقية التي تتحملها الادارة الامريكية وهي التي اختارت ان تكون راعية للسلام بعد ان عارضت اسرائيل أي دور لاوروبا او روسيا او الاممالمتحدة في هذا الشان . ومن هذا المنطلق فان الفشل الذريع والخيبة التي مني بها ميتشل في اعقاب جولته المكوكية بين اسرائيل و بين الاراضي الفلسطينية المحتلة تعد صفعة حادة لتوجهات الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي اراد ان يمنح ملف السلام في الشرق الاوسط اولوية ضمن اهتماماته المعلنة سواء في اول خطاب له بعد تنصيبه في البيت الابيض او كذلك في مختلف خطاباته التي توجه بها الى العالم العربي والاسلامي من تركيا الى القاهرة .... كما كان متوقعا اذن غادر المبعوث الامريكي للشرق الاوسط جورج ميتشل المنطقة تماما كما حدث خلال جولاته المتكررة اليها ليعترف هذه المرة بفشله في تحقيق أي اختراق يذكر من شانه ان يؤشر الى ادنى تقدم باتجاه مفاوضات السلام التي يبدو انها باتت تحتاج لمعجزة حقيقية من شانها ان تدفع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين ناتنياهو للتخلي عن مواقفه المتصلبة بشان الاستيطان والتوقف عن الابتزازات المقرفة التي ما انفك يمارسها في محاولة منه لتبرير المشاريع الاستيطانية التوسعية ومنحها شرعية مفقودة بدعوى النمو الطبيعي للمستوطنين بما يعكس خطورة عقلية المفاوض الاسرائيلي وهي عقلية لا تقف عند حد في محاولاتها لاستبلاه العالم والضحك على الذقون ولا تتوقف عن استباحة المحرمات و خرق كل القوانين و الاعراف الدولية والانسانية التي تمنع الاحتلال وتعتبره جريمة في حق الشعوب ... وفي انتظار جولة جديدة لميتشل في المنطقة فان الارجح ان نتائجها لن تخرج عن سابقاتها واسرائيل لن تقبل طواعية بتنفيذ التعهدات التي التزمت بها امام العالم طالما لم يغيرالمجتمع الدولي وسياسة اسرائيل لن تتغير قبل ان تغير شواشنطن سياساتها وتعدل مساعداتها العسكرية السخية لاسرائيل وتمارس الضغوطات المادية التي بدونها لن يتوقف بناء المشاريع الاستيطانية والاحتلال ...