يواصل المبعوث الأمريكي جورج ميتشل منذ مطلع هذا الأسبوع جولته الخامسة في المنطقة دون أن يتمكّن لا هو ولا إدارته التي كلّفته بهذه الوساطة، بعد الفشل الذريع الذي كان مصير جولاته السابقة، من تحريك المياه الراكدة ومن إقناع الاحتلال بتفكيك حتى خمس مستوطنات بمعدل واحدة لكل جولة من جولاته.. فبعد حوالي عام من انطلاق وساطته التي دشنتها إدارة أوباما بخلاف مع اسرائيل وضع مصداقية واشنطن على المحك حين دعت الى تجميد كامل للتوسّع الاستيطاني تمهيدا لاستئناف التفاوض مع السلطة «رحّبت» حكومة نتنياهو بميتشل على طريقتها بالاعلان عن رفضها لتهديداته بوقف المساعدات الأمريكية لتل أبيب في حال لم تقبل استئناف عملية السلام.. ومع ذلك مازال ميتشل يأمل في التوصل الى استئناف عملية السلام والعودة الى طاولة المفاوضات كما قال خلال لقاءاته.. وبدل أن يستثني ميتشل تل أبيب من جولته أو على الأقل يؤجلها احتجاجا على هذا «الترحيب» الاسرائيلي به ودفاعا عن تآكل مصداقية مهمته هذه اختار المبعوث الأمريكي بدلا من ذلك تل أبيب المحطة الثالثة لجولته بعد بيروت ودمشق.. ولم يكتف بذلك بل إنه التقى «رؤوس التطرّف» في حكومة الاحتلال نتنياهو وليبرمان وباراك وشمعون بيريز.. وهذه في الحقيقة ليست «هفوات» بروتوكول ديبلوماسي من ميتشل وهو الديبلوماسي المحنّك غير أن عدم إدراجه غزّة ضمن برنامج جولته هذه وتجاهله للمعاناة المأساوية المتفاقمة في القطاع المحاصر يظلّ فلسطينيا هو السبب الأهم الذي يبعث على التشكيك في مهمة ميتشل والذي يكفي للتأكيد على أن هذه الزيارة تذهب الى العنوان الخطإ وتطرق الباب الخطأ.. وربما لم يكن متعمّدا أن يتزامن توقيت جولة ميتشل الحالية مع الذكرى السنوية الأولى لمحرقة غزة ولكن الرسالة التي تبعث بها هذه «المصادفة» وخلفياتها ودلالاتها تشير الى أن هذه الجولة تضمر نقيض ما تظهر.. فالواضح أن ما تخطط له واشنطن من هذه الجولة الجديدة لا علاقة له بالمرة بإنهاء الحصار عن القطاع وباستعادة الفلسطينيين لحقوقهم ولا علاقة لها حتى بوقف الاستيطان ولو بشكل مؤقت.. فهذه «الورقة» التي ظلّت تلوح بها واشنطن على مدى الأشهر الماضية «أحرقتها» اسرائيل حتى بات تكتيك الادارة الأمريكية في معالجة موضوع الاستيطان مفضوحا وانكشف بالكاد الهدف الأساسي من وراء هذه الجولة والمتمثل في بدء خطوات تطبيع مع العرب ضمن عملية مقايضة رخيصة ومكشوفة حملها ميتشل حتى بدت هذه الزيارة وكأنها عامل تعزيز للطرف الاسرائيلي في مناخات من الاستعجال الاسرائيلي لكسب الوقت في استكمال تنفيذ المخططات الاستيطانية بتحقيق إنجازات صافية لتل أبيب ليس أقلها إنجاز حملة علاقات عامة في العالمين العربي والاسلامي لتسويق وجه اسرائيل في محاولة أراد من خلالها ميتشل دسّ السّم في العسل.. ولهذا فإن جولته هذه لن يكون مآلها سوى الفشل.