تونس الصباح بعد أن غزت الهواتف الجوالة والأنترنات جل الديار.. وقرّبت المسافات بين الناس.. هل مازال التونسي يكتب رسالة؟ ويمسك قلمه ليدون كلمات.. يشطبها.. ويمزق الورقة.. ويكتب ثانية ويعيد المحاولة مرارا الى أن يبلغ ما يريد من المعاني؟ وهل مازال ساعي البريد ذلك الرجل المحبب الى القلوب الذي ينتظره المشتاقون الى الأهل والأحبة بشغف كبير، أم أن حلول ركبه أصبح ينذر بمقدم فاتورة يجب تسديد معلومها في أقرب الآجال؟.. هذه الأسئلة تتبادر الى الذهن ونحن نعيش على وقع الاحتفالات باليوم العالمي للبريد.. وإجابة عنها ذكرت مصادر البريد التونسي أن وسائل الاتصال تغيرت وتطورت.. فبعد أن كان التونسي يلتجئ الى كتابة رسالة للتواصل مع من يريد.. أصبح يكتب ارسالية قصيرة عبر هاتفه الجوال أو يجلس امام حاسوبه ليتحادث ويتواصل مباشرة مع الآخرين.. وبيّن المصدر نفسه أن السواد الأعظم من الرسائل التي يعالجها البريد هي رسائل ادارية.. وحتى هذه الرسائل سيتضاءل عددها بعد أن يشرع في تعميم خدمة جديدة وهي عنوان الكتروني لكل مواطن تونس. وفسر محدثنا أنه سيكون بالامكان ارسال جميع الفواتير والمراسلات الادارية للأفراد عن طريق بريدهم الالكتروني. الورود... بدلا عن الرسائل لاحظ ممثل البريد التونسي أن عادات التونسي تغيرت.. وأن هذا الأخير واكب التطورات التكنولوجية والتطورات التي شهدها البريد التونسي.. اذ أنه أصبح يقبل على خدمة ارسال باقات الزهور عوضا عن كتابة رسالة، حتى أن الكثير منهم يفعلون ذلك وهم جالسون في منازلهم أو مكاتبهم أمام حواسيبهم.. وتكفي الاشارة في هذا الصدد الى أن عدد من أرسلوا باقات زهور الى أهاليهم وأحبتهم بعد أن استخلصوا ثمنها عن طريق شبكة الأنترنات بلغ خلال سنة 2008 أكثر من 2600 حريف مقابل 97 فقط سنة 2002، بالاضافة الى خدمة زهور البريد التي تلاقي رواجا مشجعا من لدى الحرفاء زاد الاقبال على ارسال الطرود البريدية (الهدايا) ليبلغ 190 ألف طرد موفى سنة 2008 محققا رقم معاملات تجاوز 4 مليارات... وبيّن ممثل البريد التونسي أن تراجع الاقبال على الرسائل قابله تضاعف الاقبال على ارسال برقيات التهاني عن بعد.. اذ مكن البريد مستعملي الأنترنات من ارسال برقيات التهاني عن بعد حسب نماذج يختارونها بأنفسهم من بين نماذج متعددة متوفرة على موقع البريد على الشبكة العنكبوتية واثر ذلك يتولى البريد طباعة نص البرقية، ووضعها داخل ظرف جذاب ليوصلها الى المرسل اليه في أجل لا يتجاوز 24 ساعة. ولكن ماذا عن خدمة المراسلات هل من أرقام تتعلق بحصيلة نشاط البريد التونسي في هذا المضمار؟ عن هذا السؤال أجاب مصدرنا من البريد التونسي بأن الارقام تعكس بوضوح ان كان التونسي يكتب الرسائل بعد، أم أنه هجرها الى استعمال الوسائل الحديثة للاتصال للتواصل مع أهله واصدقائه ومن يريد من مختلف أرجاء الدنيا... وفسر ذلك بأن المراسلات الادارية كثرت والمراسلات الموجهة الى التلاميذ والطلبة والمشاركين في مناظرات ضخمة العدد. وبين مصدرنا أن المعدل العام المسجل موفى سنة 2008 بلغ 11 رسالة لكل ساكن في تونس وبلغ العدد الجملي للرسائل 112 مليون مقابل 80 مليون سنة 1999، وأضاف أن عدد المراسلات العادية بلغ موفى سنة 2008 نحو 97 مليون مراسلة بعد أن كان 57 مليون سنة 1999، ووصل عدد المراسلات مضمونة الوصول الى ثلاثة ملايين ونصف موفى 2008 بعد أن كان أقل من 3 ملايين سنة 1999. المراسلات الدولية لئن شهد عدد المراسلات الداخلية تطورا عدديا مطردا، فإن الأمر عكس ذلك بالنسبة للمراسلات ذات النظام الدولي.. وتشير الاحصائيات في هذا الصدد الى انخفاض الرسائل التي وجهها تونسيون الى الخارج من 5 ملايين و300 ألف مراسلة سنة 1999 الى 4 ملايين و500 ألف مراسلة سنة 2008.. كما تراجع عدد الرسائل الواردة من الخارج الى تونس من 14 مليونا ونصف المليون سنة 1999 الى 8 ملايين مراسلة سنة 2008. وفسر مصدرنا تراجع عدد الرسائل الدولية الى تزايد امكانيات الربط بشبكة الأنترنات التي تسمح بالتحاور مباشرة مع من نريد من أي مكان في العالم.. هكذا اذن بدأت الرسائل تختفي من حياتنا.. ولم يعد هناك معنى لكتابة رسالة بدموع القلب.. ولا مكان للرسائل التي يستلهم العشاق كلماتها من «أوراق الورد» و«رسائل الاحزان» لمصطفى صادق الرافعي!