عرض مساء امس الاول بقاعة سينما «قصر الامارات» فيلم «الدوّاحة» لرجاء العماري بمشاركة كل من حفصية الحرزي وريم البنا وظافر العابدين وسندس بلحسن ووسيلة داري وآخرين. ويعتبر هذا الفلم ثاني افلام المخرجة الروائية بعد تجربتها الاولى «الستار الاحمر» وقد حضر هذا العرض الاول بمنطقة الشرق الاوسط السيد محمد المسدي سعادة سفير تونسبالامارات العربية المتحدة الى جانب عدد من المبدعين التونسيين والعرب على غرار شوقي الماجري وكمال التواتي ونجيب بلقاضي ومنى واصف وعابد الفهد وعارف الطويل وعبير عيسى وغيرهم. يعرض الفلم عائلة متكونة من 3 نساء «الأم» وراضية و«عائشة» يعشن في قبو تابع لمنزل مهجور كانت تقطنه عائلة ثرية، يتصرفن في مطبخه وبعض غرفه للعيش. الام (وسيلة داري)، امرأة متسلطة، تقمع «بناتها» وتملي عليهن طريقة عيش تقتصر على الاكل والشرب والنوم، مع امكانية زيارة العاصمة اسبوعيا لقضاء بعض الشؤون مع العودة سريعا الى البيت. يعن الشاب ظافر العابدين رفقة صديقته لتطل احداث جديدة تتعارض في اعماقها مع ما دأبت عليه العائلة. البحث عن النفس تسعى «عائشة» منذ مجيء البطل وصديقته لاستكشاف ما يعيشانه في هذا البيت وتقتحم في احدى اللقطات خلوتهما في مشهد حميمي ساخن، فتتساءل بحيرة عن هذا الذي يحدث ثم يتواصل اكتشافها لطرق عيش جديدة فيها انفتاح على العالم بمتغيراته، بالايقاع المجنون الذي يعيشه ويمثل ذلك صدمة نفسية، لعائشة، وتحرك راضية والام نحو مزيد من القمع والترهيب، فقد انطلقت «عائشة» في البحث عن نفسها بطريقة اخرى جديدة، رغبة منها في الانخراط في حاضرها ورغبة في تغييره لانه جامد ولا يستجيب لطموحها. تنتهي هذه الاحداث بقتل «عائشة» للام، رمز التجبر والتحجر، كما انها تنتقم من «راضية» التي ساهمت ايضا في عرقلة عملية توقها الى الحرية وتغادر البيت المهجور لنجدها في المشهد الاخير حرة بثوب ابيض ملطخ بالدم، دم «راضية» التي اضطرتها الى ارتكاب جريمة ثانية ضمن اطار «ثورتها» ورغبتها الجامحة في الهروب الى عالم آخر تختاره. رموز وشخصيات الفيلم يدفعك رغما عنك الى قراءة «رمزية».. وهكذا قد يرمز البيت المهجور باسراره المدفونة ومنها قصة الطفل المدفون الذي تكتشف عائشة انه كلب، وان امها كذبت عليها طوال حياتها مخبرة اياها عن موت طفل راضية، فيما قد نؤول بقية الحكاية بان عائشة هي ابنة راضية من علاقة غير شرعية مع احد اسياد البيت، وقد فضحت الصورة التي تحملها الام كل الاسرار المدفونة حين ظهرت «راضية» في الصورة الجماعية التي جمعتها بأسياد البيت ووالدتها بارزة البطن وقد تكون هذه الحادثة سببا في كل ما لحقها من متغيرات. القراءة الرمزية تؤدي الى اعتبار المنزل المهجور القديم رمزا للتقاليد والموروث الثقافي والحضاري المكتظ بمكبلات في جانب منه. وتمثل الام رمزا للسيادة المتغطرسة التي تصرّ على الاسلوب العبودي في ادارة الرعية فيما تمثل راضية جزءا من الرعية التي تنخرط وتستجيب لرغبة السلطة الام وتتحرر «عائشة» وتكون رمزا للثورة والرغبة في القطع مع التقاليد البالية والحضور السلطوي الكاتم لصوت الحرية فيها. مجانية المشاهد.. تقنيا وسينمائيا، امكن الاقرار بنجاح الفلم في تأمين مادة سينمائية متقنة ومقنعة على مستوى المشاهد والاضاءة والمؤثرات الموظفة. ولكن عاب البعض من الحضور على المخرجة بعض المسائل منها تعمدها اقحام «مشهد العراء» في اللقطة التي جمعت راضية بسلمى حين كانت سلمى تستحم بمساعدة راضية وظهرت «عارية» وهما تتحدثان. كما رأى بعض النقاد ان رجاء لعماري كانت قادرة على تبليغ مضمون مشهد «العادة السرية» دون ان تكشف لنا ذلك عبر الصورة في مشهد «راضية» المختبئة في بيت الاستحمام.. هي آراء اخلاقية لا تعني بطبيعة الحال التقليل من اهمية الفيلم وجماليته.. هوامش وملاحظات: * بعد انتهاء عرض الفيلم عبر الممثل السوري عابد الفهد عن سعادته بمحتوى هذا العمل متمنيا (وهو يبتسم) لو كان احد ابطاله. * كعادته امتنع المخرج التونسي شوقي الماجري عن ابداء رأيه متعللا بالقول انه يستغرق بعض الايام بلياليها ليكون رأيه الجازم في عمل سينمائي معين! * دافع نجيب بلقاضي عن «الدوّاحة» منتقدا رأي احدى التونسيات الحاضرات والتي ذهبت للقول بان هذا الفيلم «يسيء الى المرأة التونسية» ويصورها جاهلة ومجرمة ومكبوتة وغير متحضرة. * رجاء العماري اجابت على تعليق السيدة بالقول انه ليس من غايات انجازها لفيلمها «الدوّاحة» طرح مواضيع متعلقة بالمرأة التونسية ولا حتى المجتمع التونسي. واضافت هذا العمل انساني يمس العالم بأسره ولا يمكن حصره بهذه الطريقة في تماثل بين خطابه الروائي والواقع، مهما كانت زوايا النظر اليه.. الفيلم ماهو الاّ قصة محكية.