«دوّاحة» هو عنوان فيلم للمخرجة السينمائية التونسية «رجاء العماري» والمنتجة «درّة بوشوشة». في هذا الفيلم الذي يدوم قرابة الساعتين من الزمن، تعرض المخرجة التونسية قصّة «عائشة» (حفصية حرزي) و«راضية» (سندس بلحسن) ووالدتهما (وسيلة داري) ثلاث نساء يعشن بمعزل عن العالم، في منزل مهجور سبق للأم أن اشتغلت به كخادمة. المنزل الذي تدور فيه الأحداث هو منزل مهجور، كانت تعيش فيه عائلة «علي» (ظافر العابدين)، لكن تطوّر نسق الحياة وتصاعده جعل العائلة تهجر المنزل لتعيش بالأحياء الراقية. فإذا بعلي، يعود إلى هذا المنزل المهجور لعيش حياة المجون، مع صديقته في الفراش، ومع أصدقاء الملاهي الليلية. هذه العودة مثلت منعرجا لأحداث الفيلم، فدخلت «سلمى» عشيقة «علي» (ريم البنّة) في معركة الأحداث «الرمزية» وساهمت في تعقيدها، خاصة بالنسبة للبطلة «عائشة» (حفصية حرزي) التي اكتشفت أن المولود المدفون تحت شجرة الزيتون ليس سوى كلب، أو بالأحرى جثة كلب فما بالك بالأب المدفون وهذه من الأبعاد الرمزية للفيلم. قمع وكبت «عائشة» مثلت محور الأحداث، فكانت شخصيتها ترمز إلى الأنثى الجاهلة علميا ومعرفيا، والأنثى المكبوتة المقموعة التي لا تعرف من الأنوثة غير كونها أنثى لا غير، فأمها وأختها تقمعانها من أبسط حقوقها الأنثوية المتعلقة بنظافة جسدها وزينتها... هذا القمع كان سببا دراميا لقتل «عائشة» لوالدتها ولأختها التي من خلال رمزية الأحداث بدت هي الوالدة الحقيقية ل«عائشة» والكلب المدفون هو مجرّد شيء دفن لإخفاء الحقيقة. إذن ضبابية مقصودة في طرح بعض الجزئيات، وقمع وكبت لأنثى في سن المراهقة، أدّت إلى نتيجة مريرة هي الموت والموت الشنيع وأدّت كذلك إلى نتيجة أخرى غير الموت أو الانتحار بالنسبة للبطلة عائشة هي نهاية مختلفة أقرب ما تكون إلى «الجنون» ومن خلال كل ما ذكر من أحداث، زوقها التصوير والرؤية الإخراجية يتبين المشاهد حبكة في التأليف، فيها رؤية معيّنة للمرأة التونسية والعربية، رؤية في الواقع تحمل معاني الانعتاق والثورة والدعوة الجادة إلى التحرّر والمساواة بين الجنسين. شخصية معقدة ومركّبة في كل هذه الأحداث التي تخصّ «الدواحة» برز كل الممثلين لكن على وجه الخصوص الممثلة «حفصية حرزي» فلقد نجحت أيّما نجاح في تقمّص شخصية «عائشة» وهي شخصية معقّدة دورها مركّب تجمع أحيانا بين المتناقضات فتجدها شخصية غريبة كلها التباس في أحايين وفي أحايين أخرى تراها فتاة مراهقة ترنو إلى الانعتاق بتوهج الشباب وبدفء الطفولة الممزوج بغطرسة الأم بين كل هذه المتناقضات نجحت الممثلة في إعطاء الشخصية الروح التي تستحق وأن تلبسها ثوبها الرمزي وأكسسواراتها الدلالية فكانت بطلة الفيلم بلا منازع.