تونس الصباح ما ان تنتهي فرحة الزواج عند المرأة حتى يبدأ انجاب الطفل الاول بمراودتها بطول الانتظار فيتحول هذا الحلم الجميل الى هاجس يتطور الى معاناة نفسية تعيشها المرأة. فما هي أسباب تأخر الانجاب عند المرأة؟ وما هي المخاطر التي أصبحت تهدد الخصوبة بتونس؟ بدأت تبرز في تونس ظاهرة جديدة تتمثل في أن جزءا هاما من النساء المتزوجات دون الخمسين يعانين من مشكل تأخر الانجاب أو ما يعرف بالعقم النسبي أو المؤقت الذي يعرفه الدكتور إلياس اللافي اخصائي في طب النساء بأنه عدم قدرة انجاب المرأة مؤقتا، أي في فترة زمنية معينة، ولسبب من الأسباب. ويضيف الدكتور «أن العلاج ممكن إذا ما تم التعرف على سبب هذا التأخر، ولكن يؤكد أن هذا التأخر قد يتحول الى عقم كلي اذا لم تتم معرفة الأسباب ومعالجتها. تأخر سن الزواج قام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بدراسات حول مسألة تأخر الانجاب وقد تمت مناقشة ذلك في اطار منتدى السكان والصحة الانجابية لسنة 2009 وقد أثبتت هذه الدراسات أن تغير نمط التوزان الديمغرافي ساهم في انخفاض معدلات الخصوبة، أي تراجع الانجاب وتأخره. ويؤكد مسؤول بالديوان الوطني للأسرة أن هذا التراجع يعود الى ارتفاع حاد في نسبة السكان في سن العمل (بين 29 و64 عاما) خاصة النساء منهم. ويعد تغير الوضع الاقتصادي والثقافي للمرأة من أهم الأسباب وذلك بخروجها للدراسة والعمل، ويؤكد المسؤول أنه بسبب ذلك تأخر سن الزواج الى ما بعد 30 سنة. مضيفا أن نسبة النساء المتزوجات الأكبر سنا هن الأقل خصوبة، وقد تصل مدة تأخر الانجاب الى 5 سنوات أو أكثر. أسباب نفسية وعضوية يعود تأخر الانجاب لدى النساء كذلك الى أسباب نفسية أيضا، اذ تقول الدكتورة أسماء بن طالب اخصائية نفسية في الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري أن الانجاب لدى المرأة يعد عملية اثبات للذات ولطبيعتها البيولوجية كأنثى تسعى لتحقيقها من خلال انجاب الأطفال. وتضيف الدكتورة أن عملية تأخر الانجاب أصبحت مسؤولية الطرفين، خاصة بعد الدراسات التي أجريت مؤخرا من قبل المركز الوطني للاحصاء، اذ تقدر نسبة مسؤولية تأخر الانجاب لدى كل من المرأة والرجل ب50%. ويتقاسم كلا الطرفين المسؤولية ما لم يتم تحديد الطرف المسؤول طبيا. وتضيف الدكتورة أنه في حال غياب الأسباب العضوية المانعة للحمل، فإن تأخر الانجاب يعود الى أسباب نفسية. من جهته يؤكد الدكتور إلياس أن تأخر الانجاب قد يعود الى التغيرات المناخية التي تحدث ببلادنا وتؤثر على الجهاز الهرموني للمرأة. ويشير الدكتور أن المرأة ليست المسؤولة الوحيدة عن تأخر الانجاب، بل ان الرجل أيضا يتحمل هذه المسؤولية. ويضيف الدكتور أن التدخين يحدث تسمما بالحيوانات المنوية لدى الرجل ويتسبب في قتلها وبالتالي إعاقة عملية التلقيح، لذلك فإن تأخر الانجاب أصبح مشكلا يخص الثنائي. كما يؤكد الدكتور إلياس أن 70% من الاصابة بالعقم النسبي سببها الأساسي الامراض الجرثومية والتعفنات، مما يحدث انسدادا في قنوات «فالوب» وبخلا في عمل البويضات. كذلك حدوث اضطرابات هرمونية تسببها الأدوية المقدمة من قبل الأطباء بطلب من المرأة. وفي نفس السياق ترجح الدكتورة أسماء تأخر الانجاب الى عدم الرغبة اللاشعورية في الانجاب التي قد تنجم عن طفولة قاسية عاشتها المرأة. وفي هذا الإطار تؤكد السيدة ليلى، متزوجة منذ 4 سنوات وتعاني مشكلة تأخر الانجاب، أنه رغم وجود أي مانع جسمي أو عضوي، فهي لم تنجب الى حد الآن. وتتوقع السيدة ليلى (28 سنة) حسب الجلسات النفسية التي خضعت لها أن ذلك قد يعود الى رفض لاإرادي من قبلها في الانجاب خاصة أنها عاشت طفولتها مع عائلة عديدة الافراد. من جهتها تؤكد الدكتورة أن هذه الأحاسيس تؤثر على الإباضة وعملية التلقيح وبالتالي يحدث اضطراب في الجهاز الهرموني. السيدة آمال ب.ي. (36 سنة) متزوجة منذ 5 سنوات وتواجه مشاكل عضوية تعيق عملية الانجاب المتمثلة في التهابات في الرحم وبقناتي «فالوب»، وتحمل السيدة آمال مسؤولية ذلك الى عدم دقة الفحوصات الطبية قبل الزواج. وتضيف أن تأخر الانجاب ولّد لديها اضطرابات نفسية، كالخوف المتواصل من خسارة الحياة الزوجية خاصة أنها تعاني من العصبية المفرطة في التعامل مع زوجها. وتوضح الدكتورة بخصوص هذه المسألة أن العوارض النفسية المنجرة عن تأخر الانجاب هي اضطرابات في المزاج كالعصبية المفرطة في التعامل مع الشريك والأرق أو النقص والزيادة في الوزن التي غالبا ما تكون نتيجة الاكتئاب. وتؤكد الدكتورة أسماء أن هذه الحالات النفسية قد تسبب أحيانا الحمل الكاذب وتفسره بأن المرأة تتوهم أنها حامل فتظهر عوارض حمل جسمانية كاذبة كانتفاخ البطن وانقطاع الدورة الشهرية وقد يتسبب ذلك فيما بعد بخيبة أمل كبيرة لدى المرأة. وتصنف الدكتورة هذا الوضع أنه من الحالات النفسية المستعصية التي قد تصيب المرأة التي تعاني من تأخر الانجاب. يؤكد مسؤول بالديوان الوطني للأسرة والعمران البشري أنه لتفادي كل ذلك يجب أن يقوم الثنائي بالفحص الطبي الدقيق قبل الزواج واختيار الشريك المناسب، كذلك تنصح الدكتورة أسماء بالقيام بجلسات تهيئة نفسية للحياة الزوجية لكلا الطرفين لتفادي المشاكل النفسية. ويحذر الدكتور إلياس من استعمال حبوب موانع الحمل قبل الزواج التي قد تسبب تأخر الانجاب وأحيانا العقم الكلي. كذلك الاستعمال المفرط للوالب منع الحمل التي تحدث انسدادا في قناتي «فالوب» أو حدوث حمل في القنوات في صورة حدوث حمل.