الهستيريا التي تفجّرت على هامش لقاء الكرة بين مصر والجزائر تطرح أكثر من تساؤل على المتحمّسين لمفاهيم القومية العربية وشعارات الوحدة والمصير المشترك. سيل من مشاعر الكراهية المفزعة تحرّكت في كل الاتجاهات معبّرة عن حجم مأسوي من المكبوت الكامن في النفوس حافلا بقوالب التعصّب القطري المتحمّس لهوية وطنية مريضة بأكثر من عقدة ووسواس ليس أقلّها مرض المؤامرة والشعور المضخّم بالاستهداف ممزوجا بتصريف مقلوب لمفاهيم الكرامة والعزّة والأنفة تركّزت فجأة فقط على مربّع ملعب الكرة ومدارجه وحواشيه!!! بالتأكيد حصلت مناوشات بعد نهاية مباراة الخرطوم لكنها لم تخلّف لا قتلى ولا جرحى مقارنة بصدامات تجري في لقاءات كرة في مختلف بلدان العالم بين فرق البلد الواحد أو بين مناصري فرق بلدان مختلفة، أذكر أن لقاء نهائي كأس الأبطال الأوروبية بين جوفنتس الإيطالي وليفربول الأنقليزي في بلجيكا انتهى قبل أن يبدأ بحصيلة عشرات من القتلى في ما عُرف بكارثة ملعب «هايزل» البلجيكي، لم تحصل أية أزمة بين إيطاليا وأنقلترا ولم نستمع لأي إعلامي أو مسؤول إيطالي يشتم بريطانيا أو يتحدّث عن الكرامة الإيطالية المهدورة أو يطالب بطرد السفير الأنقليزي من روما. لا أحد أبدا يقبل بسلوك الغوغائيين أو بعض متعصّبي الكرة والأكيد أن المناوشات التي عرفها لقاء مصر والجزائر سواء في القاهرة أو الخرطوم مرفوضة وغير مقبولة لكن أن يتم استنفار بلد بأكمله بمسؤوليه وإعلامييه ومثقفيه وفنانيه بمثل ما يحصل الآن في مصر من أجل تصوير الأمر على اعتبار أنه كارثة وطنية لحقت بكرامة الشعب المصري ومواجهة هذا الأمر بسيل مقرف من خطاب الشتيمة والكراهية والاستفزاز والسّباب والإهانة في حق الجزائر وشعبها فهذا لا يمكن إلا أن يسيء لمصر ومكانتها وصورتها قبل الإساءة إلى أي بلد آخر. سفالات حقيقية قيلت على بعض منابر الفضائيات المصرية والأخطر مشاركة الفضائية المصرية الرسمية في هذه الحملة الهابطة التي فاقت كل توقّعات الرّداءة والإسفاف وهي تتوقّع الرّد على ما تعتبره إهانة لحقت الشعب المصري بعد لقاء الكرة!!! مصر نجيب محفوظ وطه حسين وأم كلثوم وعبد الناصر ومئات الكتاب والأدباء، والفنانين والمثقفين والمبدعين ورموز التحديث والفكر الحرّ بل والرياضيين رفيعي المستوى أخلاقا وقيمة وعلى رأسهم لاعب الكرة أبو تريكة الذي أعتقد أنه لو نزل اليوم في الجزائر أو في أي بلد عربي آخر لوُضِعَ فوق الأعناق، مصر العظيمة أكبر وأرقى وأرفع من أن ينطق باسمها بعض المحسوبين على الإعلام بلغة البذاءة التي فُجِعْنَا بها هذه الأيام تلك التي لم تترك أية شتيمة هابطة في حقّ الجزائر إلا ونطقت بها وهي تتوهّم الردّ على ما تعتبره إهانة للشعب المصري ولا تدرك أنها بهذا السلوك المشين إنما تهين نفسها وصورة بلدها قبل أن تهين أيّ أحد آخر، ثمّ هل بهذه السهولة يتحدّث بعض المصريين عن أن بلدهم قد أُهين لمجرّد رشق بعض الحافلات بالحجارة أو قيام بعض الغوغائيين الجهلة بحرق العلم المصري، هل يُهان الكبير بمثل هذه الأفعال الصغيرة؟!! ماذا تقول الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا في مواجهة المظاهر اليومية العالمية التي تنقلها كاميرات الدنيا بشكل شبه يومي تلك المظاهر المعادية لأمريكا والغاضبة منها؟!! من أجل مصر العظيمة الكبيرة في قلوبنا، يجب على عقلاء مصر التدخّل حالا وفورا لإيقاف المهزلة!!!