في بيتها المتواضع غير البعيد عن مقبرة مخيم بلاطة حيث يقطن سبعة وعشرون الف فلسطيني على مساحة كيلومتر مربع التقينا ام خليل وقد نفضت لتوها يديها من انية الغسيل وجلست تتوسط حفيديها لتحدثنا بحرقة عن تجربتها مع الحياة منذ طفولتها المبكرة. قالت انها من عرب يافا اضطرت كغيرها من الاهالي لترك مدينتها مع والدها وزوجته استقر بهم المقام بقلقيلية بعد هجمة 1967 كان معها احد عشر ولدا وبنتين فقدت خالد وهو لا يزال طفلا في السابعة فقد استشهد بسبب الغازالمسيل للدموع ومع اندلاع الانتفاضة الاولى فقدت حسن وهو في سن الثامنة عشرة كان في طريقه الى العمل من اجل لقمة العيش عندما تلقى رصاصة وهو على طريق جنين اما الثالث سمير فقد استشهد خلال اجتياح مخيم بلاطة مع اثنين من رفاقه فيما كانت في الحج. اما الرابع واسمه محمد تقول ام خليل فقط طلب الشهادة ونالها ودفن في جنين مع اخيه. تتوقف ام خليل لحظة وتشير الى احد جدران الغرفة وقد تزاحمت صور اربعة من ابنائها الشهداء نظرت الى صورة احدهم وقالت كان اخرهم خرج للشهادة ونالها وتمضي ام خليل لتستعيد ذاكرتها في ذلك اليوم. وتقول نظر الي وقال قبل ان يغادر "ياما سيحملك اثنان من ابنائك من كل جانب الى الجنة "تقول ام خليل صرخت وقبل ان ينتظر ردي كان قد غادر الى حيث بقية رفاقه وفي الغد.. تواصل ام خليل: طرق الباب بعض الجيران وطلبوا مني ان ارتب البيت سالتهم لماذا فلم يجيبوهاو في اليوم التالي بلغها نبا استشهاد ابنها ذهبت الى حيث علمت بوجود جثث الشهداء بحثت بينهم عن طفلها فلم تجده.. عادت الى البيت ومن الغد انتابها احساس غريب بشيء يدعوها الى العودة الى مرقد الشهداء هناك تقول ام خليل سحبت الغطاء وتعرفت على فلذة كبدها جلست الى جانبه واخذت تحدثه وتسوي شعره وتمسح على جبينه وهي لا تتوقف عن اطلاق الزغاريد وكانها تريد تزويجه حتى جائها الجيران وسالوها ان كانت اصيبت بمس من الجنون فردت عليهم بقولها اما الشهادة او النصر... تصمت ام خليل لحظات وقد كدت استجديها ان تفعل اشفاقا على نفسي من كلماتها التي من شانها ان تنطق من به صمم ولكني خجلت من صلابة هذه المراة وقوتها وشجاعتها وصبرها.اشارت لاحقا الى الجدار المقابل لتواصل حديثها هؤلاء بقية اولادي هم ثلاثة يقبعون في سجون الاحتلال احدهم يواجه حكما بالمؤبد والثاني حكما بالسجن خمس سنوات اما الثالث فهو لا يزال في انتظار المحاكمة. سالتها ان كانت تزورهم قالت بهدوء مرة في الشهراذا امكن ذلك فهم في ثلاثة سجون مختلفة وليس بامكاني زيارتهم الا عندما يسمح لي اليهود بذلك ثم تنظر ام خليل الى زاوية في البيت مشيرة الى سفينة من خشب تزين المنضدة لتقول بكل فخر هذه من صنع ابني الاسير انها هديته لي في عيد الامهات... فجاة وقبل ان تنهي ام خليل حديثها يدخل البيت شاب هو ابنها الاصغر العائد من الاسر حديثا. كان في حالة غضب شديد وقد حسبنا من التلفزة الفلسطينية كان يستعد لطردنا قبل ان يهدا بعد ان علم مقصدنا وبدا بدوره في الحديث مشيرا الى كل زاوية من زوايا البيت متسائلا هل هذا بيت ام الشهداء وام الاسرى وام ثلاثة عاطلين عن العمل ثم يخرج من احد الادراج زمرة من الاوراق الطبية ليحدثنا عن شقيقه الاكبر الذي اصيب خلال الانتفاضة الثانية باثني عشر رصاصة استقرت احداها في الراس وحكمت عليه بالشلل والزمته البيت وهو اب لاربعة اطفال ليضيف بلهجة لا تخلو من النقمة لو كان الامر بيد حماس لما تركتنا. وذلك قبل ان يقودنا خليل الى بيت شقيقه المجاورلنقف على حقيقة المشهد الذي لا يقل ماساوية عن كل ما روته لنا ام خليل شاب في عمر الزهور يقبع في كرسي متحرك لا يقدر على الكلام او الحراك ومن حوله تجمع ابناؤه يلعبون وكانهم قد تعودوا على الوضع الذي هم فيه وحفظوا عن ظهر قلب حكايات جدتهم ام خليل ومعاناتها مع الزمن ولسان حالهم يقول ان اطفال فلسطين ذخر لها ووقود لمعارك طويلة لاستعادة الكرامة ورسم الحرية وتحقيق الحلم الفلسطيني في السيادة وتقرير المصير... تركنا ام الشهداء وام الاسرى ونحن لا نكاد نصدق هول ما عاشته هذه المراة في حياتها من تجارب ومحن على مدى عقود من حياتها اجتمع القدروالاحتلال للتناوب عليها فهي ضحية الفقر واليتم حينا وضحية الظلم والاحتلال حينا اخر. لم يعرف الياس طريقا الى قلبها كانت تغني دوما بان فلسطين عروس وان مهرها غال جدا وربما اغرب ما سمعناه ونحن نودع مخيم بلاطيا ان حكاية ام الشهداء والاسرى على هولها تظل هينة امام الماسي التي تعرض لها غيرها من نساء فلسطين... وقد علمنا ونحن بصدد كتابة هذا التقرير ان ام خليل تم الحاقها بقائمة الحجاج الفلسطينيين الذين تكفل بهم الامير طلال وهو ما كان امنيتها...