لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    اقتطاعات بالجملة من جرايات المتقاعدين...ماذا يحدث؟..    مترشحة للرئاسة تطرح استفتاء للشعب حول تعدد الزوجات في تونس..#خبر_عاجل    عاجل/ تحذير من بيض رخيص قد يحمل فيروس أنفلونزا الطيور..    عاجل/ مقتل 10 اشخاص في تصادم طائرتين هليكوبتر تابعتين للبحرية الماليزية في الجو    خلال يوم واحد: تسجيل أكثر من 200 زلزال وهزة ارتدادية في تايوان    بطولة ايطاليا : إنتر ميلان يتوج باللقب للمرة العشرين في تاريخه    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    التوقعات الجوية لهذا الطقس..    الإطاحة ب 9 مروجين إثر مداهمات في سوسة    عاجل/ تقلبات جوية منتظرة وأمطار غزيرة بهذه الولايات..طقس شتوي بامتياز..    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    رغم منعه من السفر : مبروك كرشيد يغادر تونس!    مدنين: حجز 4700 حبة دواء مخدر وسط الكثبان الرملية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    الأمم المتحدة: آسيا أكثر مناطق العالم تضرراً من كوارث المناخ ب2023    اتحاد الشغل بجبنيانة والعامرة يهدد بالإضراب العام    نقل مغني فرنسي شهير إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    أراوخو يكشف عن آخر تطورات أزمته مع غوندوغان    البطولة الأفريقية للأندية الحائزة على الكأس في كرة اليد.. الترجي يفوز على شبيبة الأبيار الجزائري    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    البنك التونسي السعودي ... الترفيع في رأس المال ب100 مليون دينار    في اختتام المهرجان الدولي «إيتيكات» بسوسة.. شعراء وفنانون عرب بصوت واحد: «صامدون حتى النصر»    هذه أبرز مخرجات الاجتماع التشاوري الأول بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا    بيان أشغال الاجتماع التشاوري الأوّل بين تونس والجزائر وليبيا    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    المنستير.. الاحتفاظ بمدير مدرسة إعدادية وفتح بحث ضده بشبهة التحرش الجنسي    بنزرت: غلق حركة المرور بالجسر المتحرك في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء    الحشاني يشرف على جلسة عمل وزارية بخصوص مشروع بطاقة التعريف وجواز السفر البيومتريين    بوعرقوب.. عصابة سرقة الاسلاك النحاسية في قبضة الحرس الوطني    الإعلان عن تأسيس المجمع المهني للصناعة السينمائية لمنظمة الأعراف "كونكت"    بوعرقوب: القبض على 4 أشخاص كانوا بصدد سرقة أسلاك نحاسية خاصة بشركة عمومية    بداية من يوم غد: أمطار غزيرة وانخفاض في درجات الحرارة    مدنين: العثور على 4700 حبّة مخدّرة وسط الكثبان الرملية بالصحراء    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 %    وصول محمد الكوكي الى تونس فهل يكون المدرب الجديد للسي اس اس    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    حليب أطفال متّهم بتدمير صحة الأطفال في الدول الفقيرة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الخامسة لمرحلة التتويج    رئيس غرفة القصّابين عن أسعار علّوش العيد: ''600 دينار تجيب دندونة مش علّوش''    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    حريق بمحل لبيع البنزين المهرب بقفصة..وهذه التفاصيل..    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    في سابقة غريبة: رصد حالة إصابة بكورونا استمرت 613 يوماً..!    أولا وأخيرا..الكل ضد الكل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الصباح» تنقل تفاصيل المعاناة في المخيمات الفلسطينية
بين جنين وقلقيلية وبلاطة:
نشر في الصباح يوم 01 - 12 - 2009

رام الله فلسطين المحتلة الصباح: من مخيم جنين الى مخيم بلاطة الى مخيم قلندية او الدهيشة او غيرها من المخيمات في فلسطين المحتلة تكاد رحلة المعاناة مع الاحتلال تتشابه.
فلكل اسرة بل ولكل بيت ولكل ارملة او ثكلى ولكل يتيم حكايته مع الاحتلال قد تختلف درجة المعاناة حسب مزاج واهواء المحتل الذي يظل وراء كل الجروح الجسدية والنفسية في المخيمات التي ارتبطت تاريخيا في وجودها مع النكبة لتبقى شاهدا على كل مرحلة من مراحل الاحتلال وعلى مسيرة القضية الفلسطينية بمختلف محطاتها واهتزازاتها وانتكاساتها المتتالية مع الحلم المؤجل في تقرير المصير واعلان الدولة الفلسطينية...
ثمة من العناصر المشتركة بين كل المخيمات ما يدفع للاستغراب فطاقة هذا الشعب على الصبر والاحتمال فوق كل التوقعات ولا يمكن للكلمات مهما كانت دقيقة ان تنقل مدى قناعته بعدالة قضيته وشرعيتها بل وقد لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بان تلك المخيمات ستبقى بفقرها والامها بمناضليها وباسراها بشهدائها وبشبابها باطفالها ونسائها قنبلة موقوتة في وجه الاحتلال ففيها من الفلسطينيين الذين طالما وصفهم الزعيم الراحل ياسر عرفات بشعب الجبارين الكثير وفيها من الذين يصنعون من الضعف قوة ويقدمون من نضالهم اليومي المستمر للعالم دروسا الكثير ايضا والاهم ان فيها من الذين يعشقون الحياة ويقبلون عليها اكثر من الذين يقبلون على الموت ما يعني ان لدى هؤلاء من الارادة ما يكفي لوضع حد للاحتلال يوما ما.
لا مجال لدخول البيوت الفلسطينية دون حق الضيافة ودون تذوق القهوة الفلسطينية وكرم اهالي المخيمات يتجاوز كل الحدود فهم يؤثرون على انفسهم ولو كانت بهم خصاصة... ورغم الاحزان والمآسي فان الافراح في المخيمات لا تتوقف حتى في احلك الظروف وحفلات الزواج مناسبة للرقص والغناء واحياء التراث الفلسطيني والدبكة والاكلات الشعبية اما الولادات الجديدة فتلك من المناسبات التي لا تغفل وكل مولود جديد انتصار على الموت...
في جولة انطلقت صباحا لتنتهي مساء عبر عدد من القرى والبلدات الفلسطينية الساحرة التي لولا وجود الاحتلال البغيض الذي يعيدك في كل مرة الى الامر الواقع لخلت انك في عالم سحري فالبناء في مختلف انحاء الضفة لا يكاد يتوقف والفلل الفاخرة للمهاجرين في امريكا واستراليا تعلو في كل مكان والمشاريع الاستثمارية بدورها تظهر هنا وهناك رغم ان لا احد بامكانه ان يضمن عدم عودة المروحيات وجرافات الاحتلال متى شاءت لتحولها الى ركام كما تفعل في كل مرة وفي خضم هذه الاجواء وغيرها وبين تلك الطرقات الملتوية والبناءات الجبلية القديمة وغابات الزيتون والكروم كانت هذه المصافحة الانسانية وليس التاريخية وهذه اللقاءات مع اجيال مختلفة من ابناء المخيمات التي اردناها شهادة حية لجزء بسيط من معاناة لها بداية وليس لها حتى الان من نهاية...
قد لا يكون من اليسير فهم الحياة داخل المخيمات فهي بسيطة حينا ومعقدة حينا اخر.. المخيمات متشابهة في تقسيمها وفي توزيع سكانها ولكل عائلة مهما كان عدد افرادها بيت قابل للتوسيع العمودي يجمع اجيالها المختلفة ذلك هو السلاح القبلي العائلي لكل الفلسطينيين حتى الان في الطابق الارضي بيت الجد او الابن البكر ومنه يتفرع بقية الابناء ممن تمسكوا بالبقاء ولم يهاجروا , على باب كل بيت صورة لشهيد او اسير وربما اكثر وعلى كل جدار من جدران المخيم شعارات تمجد مختلف الحركات الفلسطينية وبيانات تدعو للوحدة وفي احيان كثيرة ابيات من الشعرلمحمود درويش ورسومات للزعيم الراحل ياسرعرفات بكوفيته الشهيرة واحيانا اخرى بيانات تشهير وتنديد بالانقسام الحاصل ودعوات من اجل الوحدة والمصالحة الفلسطينية. والحياة في المخيمات ليست من دون معاناة او صعوبات وغالبا ما تسبق الزائرالى المخيم تلك الروائح الكريهة المنبعثة من المجاري بسبب غياب مصارف المياه ولكن ذلك لا يمنع اطفال المخيمات من لعب الكرة بعد الدرس حيث تتحول شوارع المخيم الضيقة الى ملعب مفتوح تختلط فيه اصواتهم الصغيرة بمنبهات السيارات واصوات الباعة المتجولين في السوق الراكدة بسبب ضعف الاقبال وقلة الامكانيات.
قد تختلف الطرق والمسالك والمسافات المؤيدة الى المخيمات ولكن العنوان يبقى واحدا فالاحتلال كان ولايزال وراء رحلة التشرد الطويلة ومعاناة اجيال متعاقبة من ابناء الشعب الفلسطيني بين تلك التي اجبرت على ترك ديارها قبل ست عقود وبين تلك التي ولدت ونشات على ارض المخيمات ولم تعرف لها بديلا واشتركت مع الاجيال التي سبقتها في تقاسم حلم العودة حتى يبقى حيا في النفوس رمزه مفتاح بيت مصادر سيظل امانة مستحقة الى اجل غير مسمى... من جنين الى قلقيلية والدهيشة وبلاطة تتشابه المخيمات في حالة البؤس والخصاصة التي تعيشها وفي كل اسرة بل وفي كل بيت حكاية وماساة قد لا يحتمل تفاصيلها الكثيرون ولعل فيما تقدمه جدران المخيمات للزائر من اخبار وصور وبيانات عن شهدائها واسراها ما يمكن ان يلخص جزءا من واقعها فعلى كل باب وعلى واجهة كل محل تختلط صور الاسرى والشهداء بشعارات واخبار مختلف الفصائل الفلسطينية.
في مخيم قلنديا رحلة مع الصبرعمرها ستون عاما...
قد تكون الصدفة وحدها شاءت ان تتزامن زيارتنا للمخيمات الفلسطسينية في رام الله المحتلة مع دخول موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في اضراب احتجاجا على تدني اوضاعهم المعيشية الامر الذي اثار اكثر من نقطة استفهام لدى اهالي تلك المخيمات حول الوكالة التي انشئت قبل خمسين عاما لرعاية المشردين الفلسطينيين وتلبية احتياجاتهم اليومية في انتظار عودتهم الى ديارهم.
نقطة البداية كانت مع الشيخ شحاتة عثمان عبيد كان جالسا امام محل للبقول قال انه ولد في 1925 وانه اصيل قرية لفتة على طريق يافا بالقدس كان قد غادر لفتة مع اهله في 1948 ومنها مر الى طور وسلوان في البلدة القديمة حيث انجب ابناءه السبعة قبل ان تمنحه الوكالة غرفة واحدة في الجبل. لم يخفي الشيخ عثمان غضبه من اعوان وكالة غوث اللاجئين الذين كانوا مضربين يومها قال ان مخيم قلنديا يعود الى خمسينات القرن الماضي وقد بدا بتجمعات بسيطة على شكل خيم تضم عشرات العائلات المهجرة وهو يضم اليوم نحو اثنين وعشرين الف نسمة يعيشون على كيلومتر مربع، يعود الشيخ ليحدثنا عن واقع المخيم بعد ان عرف هدفنا ويقول "موظفو الوكالة مضربون من اجل الاموال وليس من اجل اهل المخيم يريدون اجورا عالية والخدمات هنا تكاد تكون معدومة" ويضيف "لو اني التقيت مدير الوكالة ساقول له: انت مهمل.. الاوساخ تملأ الشوارع حتى المساعدات التي كنا نحصل عليها تراجعت لم نعد نحصل عليها الا مرة كل اربعة اشهر ولكل نفر منا عشر كيلوغرامات من الطحين في السنة ومعها حبة فول مسوسة وحبة عدس مسوسة" على حد تعبيره. سالته ان كان مازال يحلم بالعودة الى الديار قال نعم احلم بالعودة وسنعود ان شاء الله فلا بديل عن العودة كان معي مفتاح البيت في لفتة ولكن اليهود اخذوه. تركنا الشيخ عثمان وهو يستعد للتوجه لصلاة العصر وقد اشار الى شاب كان يقف غير بعيد وساله ان يصحبنا الى بيت جدته التي لا تزال تحتفظ بمفتاح البيت الذي صادره الاحتلال.في بيت الحاجة مريم عبدالله كنا على موعد مع ثلاثة اجيال فلسطينية لكل منها روايتها مع الاحتلال الاسرائيلي قالت الجدة مريم وهي تشير الى صورة متدلية على الجدار انه ابني شهيد الانتفاضة تقول السيدة مريم وهي اصيلة صرعة كان عمرها نحو عشرين عاما عندما وقعت اول المناوشات مع اليهود في 1947 وتعود بذاكرتها الى تلك الاحداث وتضيف انهم كانوا اقوى، وكان في البلدة الفلسطينية اربع او خمس بارودات.. كان الاهالي يجمعون الاموال ويشترون ما امكن من السلاح ولكن اليهود اخذوا القدس والرملة ويافا الناس استعدوا بما امكن وكافحوا بما امكن ايضا ومن باب الواد الى الاطرون بدات رحلة عائلتها مع التهجير ناحية الخليل حتى بلغت الدور وتمضي الحاجة مريم قائلة "صمنا في رمضان ليلتين وفي الليلة الثالثة من رمضان جاءتنا قوة من العرب مصريين واردنيين وحطوا في البلد لرد اليهود ولكن وفي الليلة الثالثة غلبهم اليهود وطردونا.. كنا ننام في الخلاء ونتنقل من بلد الى اخر" كان معها الى جانب زوجها وابنته ولد صغير وقد ظلوا يتنقلون من مكان الى اخر ومن بيت نتيف الى تبولة الى الخليل طردهم اليهود من جديد وصلوا تبولة بعد خمسة ايام ومنها الى بيت ساحور وبيت لحم حيث قضت العائلة خمسة عشريوما تحت الزيتون ومنها مضت الى اريحا وبعد ايام في عقبة جبر دخلت العائلة تحت الخيام التي وضعتها وكالة غوث اللاجئين خصصت الخيمة الكبيرة لعائلتين وانتشر المرض بين الناس محطتنا التالية كانت في بيت حنينا بعد الخيم بدات اقامة غرف "بوصر" من طين وحجر وشجر بعد ذلك بدات غرف من قصدير ثم ما ترينه الان من بيوت وبعد ست سنين كان معي سبعة اولاد يعيشون في البيت. سألتها عما اذا كانت لا تزال تحلم بالعودة فردت وكانها تستغرب السؤال طبعا انا اتمنى العودة كل يوم وتشير الى حفيدتها ان تسرع الى صندوق في البيت العلوي اخفت به مفتاح البيت لتمسكه بيدها وتقول كنت اتسلل الى ارضي واعود محملة بالزيتون لكن الجدار العازل يمنعني من ذلك اليوم ويحرمني من جني ثمارغابتنا حتى الصلاة في القدس حرمنا منها بعد بناء الجدار.
حفيدها محمد وهو طالب في جامعة القدس لم يخف استياءه من الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المخيمات بسبب انتشار الفقر والبطالة وانتشار ظاهرة المخدرات التي وجد فيها الاحتلال ضالته لتشتيت اهتمامات الشباب الفلسطيني وسلبه هويته فهو مضطر للعمل في محل للحلاقة خارج اوقات الدرس ويشير الى ان ثلثي ابناء المخيم يوجدون في الخارج الا انه يشدد على ان المساعدات الخارجية التي كانت تتدفق على المخيمات قد تراجعت بشكل كبير بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتضييقات التي تمارس على الفلسطينيين في الخارج ويحلم محمد بدوره باللحظة التي يتمكن فيها من تحقيق حلمه بالهجرة الى اوروبا او أي بلد اخر حيث يمكنه العمل وتحقيق اهدافه في الحياة.
مخيم بلاطة "طلعنا صغار وهنا ختيرنا"
كانت بداية الرحلة عبر مخيم بلاطة بنابلس اكبر مخيمات الضفة الغربية مع السيدة اسماء المسؤولة عن نادي الطفل في المخيم.. تقول محدثتنا ان مساحة المخيم لاتزيد عن الكيلومتر مربع وهو ياوي سبع وعشرون الف نسمة وقد شهد خلال شهر واحد من الانتفاضة سقوط اكثر من اربعمائة شهيد حتى لا يكاد يخلو بيت من البيوت من شهيد او اكثر.
وفي الطريق الى داخل المخيم تتوقف محدثتنا لتشير الى احد البيوت حيث لا تزال اثار الرصاص واضحة على الجدران وتقول هناك في شرفة ذلك البيت الذي اقتحمه الجنود الاسرائيليون واخذوا اهله دروعا بشرية كانوا يطلقون النار على الجميع دون استثناء في تلك الزاوية سقط الاخوان سكارنة اصيب الاول برصاص الاحتلال فاسرع اليه شقيقه لانقاذه فلاحقه رصاص الجنود الاسرائيليون ماتا معا ودفنا معا وهناك قبر ثلاثة اخوة سقطوا بدورهم ضحية للاحتلال وهناك قبر ام وابنها.. تتكرر الحكاية اكثر من مرة على مشارف مقبرة بلاطة المحاذية لمدخل المخيم حيث كان بعض من اطفال يلعبون غير عابئين بمن حولهم.
نواصل الطريق بين طرقات المخيم الضيقة وامام احد البيوت كانت وصيفة تودع جارة جاءت لزيارتها تطلعت الينا وبعد ان ادركت غايتنا دعتنا للدخول لتحدثنا عن رحلتها داخل المخيم.. عادت بذاكرتها بعيدا كانت وصيفة في السابعة من العمر عندما تعرضت عائلتها للتهجير.. ظلت باللد شهرين وقبل الحرب بيومين سنة 1948 بدات رحلة عائلتها مع التشرد بعد ذلك انتقلت العائلة الى قرية عبود وفيها مكثت ستة اشهر ومنها الى عين سيناء ومخيم الجلزون.. تتوقف وصيفة لحظة لتلخص الاحداث بقولها "طلعنا ولم نرجع الجميع انكوى بنار الاحتلال وها انا اقضي واحد وستون عاما في المخيم طلعنا صغار وهنا ختيرنا".
ام عمر وهي اصيلة بيسان بدت اكثر انتقادا للسلطة وللمشهد الفلسطيني تقول وهي تشير الى صورة ابنها الاسير الذي يقضي حكما بالسجن مدة خمسة عشر عاما مضى منها حتى الان سبع سنوات "خسرنا اولادنا وشبابنا والمسؤولون جالسون مع اليهود اليوم يتحدثون عن حماس وبكره ايران ولو اصبح لنا دولة سنربي كل الخونة طول عمرنا نسمع عن المؤتمرات والندوات في الفاضي "و تمضي ام عمر قائلة ليس هناك من ناضل مثلنا السجون لا تهمنا ولا تردنا والاستشهاد لا يخيفنا المهم ان يكون لنا دولة. لا يمكن لام عمر ان تزور ابنها الا مرة كل تسعة اشهر وباب بيتها يجب ان يظل مفتوحا للتفتيش في كل حين.. تذكر انه يوم اعتقال ابنها ارسلت اليها سلطات الاحتلال تحذيرا بانه لو كانت امه معه في تلك الساعة لتم اعتقالها. لم يمض على ولادة ام عمر اكثر من اسبوع عندما غادرت بيسان مع عائلتها تقول صرنا ختيارية واولادنا ايضا ولازلنا على حالنا استشهد شقيقها في طبريا هثم عادت عائلتها الى نابلس وهي في السادسة عشرة وعندما هجم اليهود على الخليل كانت الخليل تحت رعاية الملك حسين تضيف انها كانت موجودة عندما زار الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة اريحا وقد رشقه المتظاهرون بالبندورة تقول ام عمر ان "السادات لم يكن خائنا وانه لو استمع له الفلسطينيون لما كان هذا حالنا اليوم فنحن لا نحارب الاسرائيليين ولكننا نحارب الامريكان" وتعتبر ام عمر ان الفلسطيني هو اسد العرب وهي مقتنعة ان نابلس ليست بديلا لبيسان التي فيها جذورها.
جنين مخيم الشهداء والاسرى يتعافى من المجزرة
بدا مخيم جنين الذي يعود الى سنة 1948 مختلفا عن المخيمات السابقة فهو حديث البناء وطرقاته اكثر اتساعا وبيوته افضل حالا من بقية المخيمات مساحته كيلومتر مربع وياوي 15 الف ساكن وحسب محدثنا ناصر فراحنه احد ابناء المخيم وصاحب محل للبقول تطوع لمرافقتنا في جولة عبر المخيم فان الشيخ زايد تكفل باعادة بناء المخيم بعد مجزرة سنة 2002 التي تابع العالم اطوارها على الملإ. في ساحة الحواشين وقف مرافقنا مستعرضا احداث مجزرة جنين التي استمرت على مدى ثلاثة عشر يوما قال هذه منطقة ground zéro اشار الى احد البيوت وقال لم يبق سوى ذلك البيت قائما والسبب ان البيت اختفى تحت ركام البيوت المجاورة التي تهاوت تحت جرافات الاحتلال خلال ملاحقتها رجال المقاومة ويضيف محدثنا ان 984 بيتا هدم بالكامل وان جنود الاحتلال كانوا يلاحقون رجال المقاومة من بيت الى بيت.
وكان نجاح رجال المقاومة في القضاء على ثلاثة عشر جنديا اسرائيليا داخل احد البيوت منعرجا في مجزرة جنين فقد سوق الاحتلال ان البيت تم تفجيره حتى يقدموا للعالم تبريرا لاقتحام وتدمير كل البيوت وكانت تلك العملية ذريعة سقط خلالها اربع وستون شهيدا. ويمضي محدثنا قائلا كنا نرى الشهداء على الارض ولم يكن بامكاننا دفنهم كانوا يفتحون النار على كل شيء يتحرك فقد حضر خمسة الاف من جيش الاحتياط حول المنطقة ثم سحبوا تلك القوة ليجلبوا نخبة الجيش ثم سحبوا جيفعات ايضا وبعد ذلك جلبوا كل انواع السلاح لمحاربة نحو خمسة او ستة مقاتلين على اقصى تقدير.
يواصل محدثنا موضحا لم يكن هناك بين المقاتلين قائد كان الكل قائدا في موقعه نساء ورجال فتح وحماس انضم للمقاتلين اخرون من طولكرم ومن جنين لم يخلو بيت من البيوت من شهيد او اكثر ابدع ابو جندل في تلك المعركة قبل ان يصيبوه ويتركوه جثة هامدة. هناك في احد المواقع استشهد ختيار خرجت ابنته وزوجته لنقله الى البيت فجرفوا البيت وقتلوا الزوجة. امراة اخرى قنصوها وهي تصنع الخبزعلى السطح اصيب ابنها ايضا ولم يكن من مجال لنقله الى المستشفى وقد نفى ناصر فراحنة ان يكون رجال الشرطة في السلطة تلقوا أي اوامر بعدم القتال وقال الكل اشترك في المعركة بما يملك.هناك حتى اليوم شهداء لا يزالون في الثلاجات حتى النازية قليلة في وصف ما اقترفه الاحتلال وكلما اردنا ان ننسى شيئا جاؤوا ليعيدوا فتح الجراح... شهداؤنا لديهم محتجزون تلك سياستهم بين كل فترة وفترة يعيدون فتح الجراح.
بعد المجزرة يقول محدثنا زارنا وفد طبي اوروبي جمعوا اطفالا من المخيم بين سن الثامنة والرابعة عشرة كانوا يحاولون تنظيم حفلات ترفيهية لهم كانوا يراقبون تصرفات اطفالنا وخرجوا في نهاية المطاف بان الطفل الفلسطيني مبدع في كل شيء كان اذا حضر المأتم يحزن واذا حضر الافراح يفرح ويمرح قالوا لنا وهم يودعوننا "ليس هناك علاج نقدمه لهذا الشعب فهو يتاقلم مع كل شيء "وذلك هو مصدر قوة شعبنا في رحلته الطويلة مع الاحتلال"...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.