تونس الصباح تفاقمت في الآونة الاخيرة التجاوزات الصادرة عن بعض مهنيي الصحة المتعاقدين في حق المضمونين الاجتماعيين، من أطباء أو مصحات خاصة وحتى من بعض المخابر البيولوجية. وتتمثل تلك التجاوزات في عدم التزام بعض مهنيي القطاع الصحي الخاص بأحكام الاتفاقيات القطاعية المبرمة مع »الكنام«خاصة منها التعريفات التعاقدية إما تعمدا، أو جهلا بمضمون تلك الاتفاقيات.. ورغم التعاقد الطوعي لمسدي الخدمات الصحية مع صندوق التأمين على المرض، فإن ذلك لم يمنع من قيام بعض مسدي الخدمات الصحية بالقطاع الخاص بتجاوزات عديدة منها مثلا قيام أحد الاطباء بتسجيل كلفة عيادتين دون مبرر قانوني، إذ قام بتسجيل كلفة عيادة مرض عادي لاحد مرضاه، وكلفة عيادة ثانية تتعلق بتجديد تكفل نفس المريض بمرض مزمن. وتحميل كلفة العيادتين على المضمون و«الكنام«. ومما زاد الموضوع أهمية هو ورود عدة تشكيات من المضمونين الاجتماعيين بخصوص عديد التجاوزات الصادرة من بعض مقدمي الخدمات الصحية على غرار الاطباء، والمصحات الخاصة والبيولوجيين وعدم التزامهم بأحكام الاتفاقيات القطاعية المبرمة. كما اتصلت مصالح صندوق التأمين على المرض بعرائض صادرة عن بعض المضمونين الاجتماعيين يشيرون فيها إلى تعرضهم لتجاوزات تعاقدية من قبل مسدي الخدمات الصحية المتعاقدين مع الصندوق. من بين تلك التجاوزات على وجه الخصوص تجاوز التعريفات التعاقدية، تعمد رفض التعامل بصيغة الطرف الدافع في إطار المسار العلاجي المنسق (المنظومة الخاصة، أو منظومة الطرف الدافع التي تقتضي دفع المضمون الاجتماعي عند قيامه بعيادة طبية 30 بالمائة فقط من كلفة العيادة، و30 بالمائة فقط من كلفة الادوية). فضلا عن إنكار بعض مهنيي الصحة تعاقدهم مع الصندوق لتجنب التعامل مع المضمونين الاجتماعيين الحاملين لسند المنظومة العلاجية الخاصة. ولسائل أن يسأل أمام هذه التجاوزات التي غالبا ما يدفع ثمنها المواطن العادي، لماذا لا تقوم مصالح صندوق التأمين على المرض بتطبيق أقصى عقوبة ممكنة على المخالفين للتعريفات التعاقدية، أو لمضمون الاتفاقيات القطاعية مثل تطبيق عقوبة الشطب النهائي للتعاقد مع »الكنام« خصوصا وأن نسبة مسدي الخدمات الصحية بالقطاع الخاص تفوق 95 بالمائة حاليا، وبالتالي لا يوجد مبرر موضوعي يمنع تطبيق تلك العقوبة إذا علمنا أن تعاقد الاطباء والمصحات والصيادلة كان طوعيا ولم تمارس عليها أي ضغوط. وقد استفدنا من مصادر من صندوق التأمين على المرض أن مصالح الصندوق تتابع بشكل جدي التجاوزات التعاقدية، وتسعى لتطويقها، عبر عدة إجراءات حسب ما تقتضيه التراتيب المعمول بها، والصلاحيات الموكولة للصندوق، الذي يعمل قبل كل شيء على تفضيل الحلول الرضائية أو الوفاقية لتطويق التجاوزات الحاصلة من خلال عرضها على اللجان الجهوية المتناصفة التي تكون قراراتها استشارية. ويمكن إحالة الملفات العالقة على أنظار اللجان الوطنية القطاعية التي لها قرارات إلزامية، وصلاحيات السهر على تنفيذ ومتابعة الاتفاقيات القطاعية بكل مهنة صحية، وفض النزاعات الناشئة عن تطبيق الاتفاقيات.. ويمكن أن يتخذ الصندوق ضد الطبيب المخالف الذي أخل بالتزاماته التعاقدية عدة إجراءات تبدأ بلفت نظر الطبيب من خلال تنبيه خطي يشير إلى تقصير الطبيب ويدعوه إلى تصحيحه، كما يمكن في مرحلة لاحقة، تعليق خلاص الطبيب المتعاقد، وذلك في حدود تكلفة الخدمة موضوع الخلاف وإشعار المعني بهذا الاجراء في ظرف 15 يوما. وذلك حسب الفصل 19 من الامر عدد 3154 لسنة 2005، المؤرخ في 6 مارس 2005 المتعلق بصيغ وإجراءات إبرام الاتفاقيات المنظمة للعلاقات بين الصندوق ومقدمي الخدمات الصحية. وقد علمنا أن الصندوق الوطني للتأمين على المرض تولى التعامل مع هذه التجاوزات باعتبارها تندرج في إطار عدم إلمام بعض مهنيي الصحة بالقواعد المتعلقة بممارسة النشاط التعاقدي، وبمحتوى الاتفاقية القطاعية والمنظومات العلاجية. وعمل بمقتضى ذلك على مزيد ترشيد العلاقة التعاقدية والتعريف بمحتوى إصلاح نظام التأمين على المرض عبر تنظيم سلسلة من اللقاءات على المستوى الجهوي إلى جانب زيارات ميدانية فردية لفائدة عدد من الاطباء المتعاقدين قام بها الممارسون المستشارون. كما تدخلت مصالح الصندوق في بعض الحالات نظرا لخطورتها لتسوية وضعيات المضمونين الاجتماعيين المتضررين وإنصافهم، وذلك من خلال تمكينهم من إرجاع المبالغ المستخلصة دون موجب حق. ضمان حقوق المنخرطين وأمام تكرار المخالفات، توجه الصندوق نحو مزيد من الحزم في متابعة التجاوزات والحرص على التعامل مع مسدي الخدمات الصحية على احترام مبادئ شروط التعاقد، من خلال توجيه مراسلات لفت نظر كتابية للمعنيين وعرض الحالات المخالفة على أنظار اللجان الجهوية المتناصفة، واللجان الوطنية القطاعية حسب خطورة الاخلالات المرتكبة. ويعمل الصندوق إلى جانب دوره كمتكفل بمصاريف الخدمات الصحية، على المحافظة على حقوق المضمونين الاجتماعيين في علاقتهم مع مسدي الخدمات الصحية وضمان التزام هؤلاء بالاخلاقيات المهنية وقواعد التصرف السليم. يذكر أن الامر المؤرخ في 6 مارس 2005 المتعلق بصيغ وإجراءات إبرام الاتفاقيات المنظمة للعلاقات بين الصندوق ومقدمي الخدمات الصحية، وخاصة في الفصل 21 منه، يمنح اللجنة القطاعية المختصة في صورة ثبوت مخالفة إحدى الاتفاقيات القطاعية، اتخاذ إجراءات تتدرج حسب طبيعة المخالفة المرتكبة، بداية من إلغاء القرار الذي اتخذه الصندوق تجاه مقدم الخدمة الصحية، أو إرجاع المبالغ الناجمة عن تجاوز التعريفات التعاقدية أو المرتبطة بخدمات لا تتناسب مع الحالة الصحية للمنتفع، أو إنذار مقدم الخدمة الصحية عن طريق رسالة مضمونة الوصول. كما يمكن أن تصل الاجراءات إلى تعليق الاتفاقية بالنسبة لمقدم الخدمة الصحية المخالف لمدة محددة، أو إنهاء العمل بالاتفاقية، مع الاشارة إلى أن هاتين العقوبتين لم يتم تطبيق أي منهما رغم مرور عامين ونصف من عمر ارساء المنظومة الجديدة للتأمين على المرض.