تونس الصباح مازالت حركة أسواق الخضر والغلال تخضع الى العوامل الطبيعية والتغيرات المناخية، حيث تتأثر بها في مثل هذه الظروف، خاصة في مستوى العرض والطلب، وتنجر عنها جملة من الملابسات من أبرزها ارتفاع الاسعار نتيجة النقص الذي يسجل في العرض. وهذه الظاهرة قائمة على الدوام، ولم يتسن تجاوزها بفعل التراكمات الحاصلة في أسواق الجملة والاختيارات التي لم تتجدد ولم تتطور في مجال التزويد، وقد أدى الامر الى بروز انعكاسات سلبية على المستهلك، خاصة في مجال عدم استقرار الاسعار. مشهد السوق خلال هذا الاسبوع من خلال جولة قادتنا الى السوق المركزية بالعاصمة، وسوق سيدي البحري، والسوق البلدية بأريانة لاحظنا نقصا بارزا في عروض الخضر والغلال. كما بدت لنا أسعار هذه المواد الاستهلاكية اليومية مرتفعة، حيث قفزت »قتة« السلق والمعدنوس والكلافص من سعرها المتداول سابقا ب250 مليما لتصل خلال يوم أمس الى 350 مليما و400 مليما. وتبعها في ذلك انزلاق أسعار البصل الاخضر ليصل سعر الكلغ الى 500 مليم فما فوق، وكذلك السفنارية ب 700 مليم للكلغ، وأيضا البطاطا من 450 مليم الى 650 مليما. كما قفزت أيضا أسعار الفلفل والطماطم لتصل الى حدود دينار و500 كليم بالنسبة للاول وما بين 600 مليم و800 مليم بالنسبة للطماطم. وفي جانب آخر شهدت أسعار الغلال وفي مقدمتها البرتقال ارتفاعا في أسعارها حيث سجل عروض أنواع البرتقال زيادة بما يناهز 200 مليم فما فوق لكافة الانواع المعروضة منه. هذه الظاهرة التي برزت في أسواق الخضر والغلال خلال اليومين الاخيرين باتت شبه معتادة لدى المستهلك وتاجر التفصيل على حد السواء، على اعتبار أنها تتكرر على الدوام مع حصول تغيرات مناخية وخصوصا نزول الامطار وصعوبة العمل الفلاحي وجني المحاصيل في مثل هذه الظروف. وفي هذا السياق قال محمد البدوي (تاجر بسوق أريانة): أن الظاهرة ناتجة عن الارتباك في التزويد والنقص المسجل في العرض بسوق الجملة نتيجة تراجع التزويد من قبل الفلاحين الذين لا يرومون دخول مزارعهم، نتيجة صعوبة العمل جراء الامطار وما ينتج عنها من وحل في المزارع وصوبة في جني أنواع الخضر. وبين أن هذا الجانب ينعكس بشكل مباشر على الاسعار حيث كلما سجل نقص في التزويد تبعه ارتفاع في أسعار البيع بالجملة وكذلك التفصيل. وأكدت السيدة منيرة بن عميرة (ربة منزل) أن مظاهر غلاء أسعار الخضر والغلال في مثل هذه الظروف بمثابة الامر الواقع الذي لا مفر منه، وبينت أيضا أنه على الرغم من النقص المسجل في حضور الخضر والغلال داخل السوق، فإن العديد من التجار يعمدون الى الترفيع في الاسعار نتيجة احتكارهم لهذه المادة أو تلك، وكذلك معرفتهم الجيدة بالكميات المتوفرة منها. وبالسوق المركزية بالعاصمة أفاد السيد عامر السبوعي (مواطن) أن ارتباك سوق الخضر والغلال أيام التقلبات المناخية من الامور التي اعتاد عليها، خاصة وأنه يرتاد أسبوعيا السوق للتزود بما تحتاجه العائلة. وبين في هذا الغرض أن العوامل الطبيعية التي تحول دون التزويد العادي للاسواق ظاهرة قديمة ودائمة، لكن الاشكال يكمن في التذرع بهذا السبب للامعان في ترفيع الاسعار، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه، ولا يمكن أن يتواصل خاصة بما يتوفر من مراقبة اقتصادية للسوق. تزويد أسواق الجملة.. والحلقة المنقوصة أسواق الجملة ال24 في تونس تخضع الى نمط تزويد مباشر من قبل الفلاحين على اختلاف أنواع إنتاجهم، وذلك بشكل يومي. وهذا النمط في التزويد بقدر ما هو هام ويحول دون مظاهر الاحتكار والمراكنة، فإنه أيضا يبقى غير محكم على الدوام، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بعض الاسباب التي تحول دون استمرارية التزويد أو نقصه مثل تقاطع الفصول وتراجع إنتاج بعض المواد، أو العوامل الطبيعية الصعبة التي تحول دون الفلاح في جني غلاله أو خضره وتزويد السوق. وهذه العوامل تمثل في الحقيقة ارتباكا بارزا في التزويد وعدم استمارية له في بعض الحالات، وهو ما يؤثر على العرض والطلب، ويؤجج الاسعار أحيانا. ولعل الاغرب من كل هذا أن يقع على الدوام التذرع بمثل هذه العوامل التي لا يمكن التأثير فيها على اعتبار أنها لا تنذر مسبقا، ولا تدخل في ما هو متعلق بطاقة المنتج المزود أو البائع لهذه المواد بالتفصيل. لكن لو نظرنا في أساليب التزويد وحلقاتها القائمة والمعتمدة منذ عشرات السنين للاحظنا أنها في تونس تبقى تقليدية، وتقوم على النشاط اليومي للفلاح في تزويد السوق، وهي أيضا لم تتطور بما يضمن إستمراريتها رغم كل الاحوال، بل بقيت متاثرة بأبسط العوامل التي يمكنها أن تحصل. ففي تونس مازال مجال التزويد لا يخضع لحلقات وسطى تتمثل في مجمعات أو مخازن تبريد وحتى وإن وجدت فهي بقلة وبشكل محدود جدا، ولا تتولى في نشاطها اليومي تزويد أسواق الجملة وتضمن استمرارية التزويد حتى في ظروف مناخية أو إنتاجية غير عادية بما يتوفر لها من مخزون. وهذه الحلقة التي تنقص مسالك التوزيع في تونس تبقى أساسية وهامة ولابد من العمل على ارسائها كنمط توزيع حديث يمكن أن يضمن استقرار التزويد في أسواق الجملة وبالتالي في السوق بشكل عام، ويحول بالتالي دون النقص الذي يسجل في هذه المادة أو تلك، كما يضمن شفافية الاسعار ويحول دون مظاهر الاحتكار. ولعلنا لو نظرنا في أنماط تزويد أسواق الجملة بمعظم البلدان الاوروبية إن لم نقل كلها للاحظنا أنها تخضع لهذه المجمعات أو مخازن التبريد التي تتولى تزويدها بالمواد بشكل يومي ودائم ومسترسل ودون نقص أو زيادة في الحاجيات الاستهلاكية، وأن كل الفلاحين يتولون توجيه انتاجهم لهذه المخازن والمجمعات دون التوجه اليومي لاسواق الجملة أو التعامل معها. ولعل الهام في كل هذا أن هذه المجمعات تتولى شراء كل الانتاج الفلاحي والتصرف فيه بتزويد أسواق الجملة والتصدير كذلك، وهي طريقة تضمن أستمرارية الانتاج من قبل الفلاح على اعتبار أن لديه ضمانة في بيع انتاجه دون كساد أو خوف من تقلبات الاسعار. فهل يمكن النسج في تونس على هذا المنوال لينصرف الفلاح الى الانتاج دون تردد او خوف، ويطمئن البائع بالتفصيل والجملة على توفر المواد في كل الظروف والحالات، وتستقر الاسعار دون تأثير على القدرة الشرائية للمستهلك الذي يدفع دوما وفي الاخير ضريبة هذه التقلبات.