ضرورة إرساء حلقة تخزين واسعة تتولى التعامل مع الفلاح بدل تعامله المباشر مع أسواق الجملة تونس الصباح المتابع للإنتاج الفصلي من الخضر والغلال في القطاع الفلاحي يلاحظ أن جملة من الشوائب والمظاهر مازالت عالقة به، وهي تعوق تقدمه انتاجا وعرضا وذلك على الرغم من استقرار الانتاج عبر المجالات السقوية أو البعلية في السنوات الممطرة. وهذا التذبذب على مستوى الانتاج ناتج في الحقيقة عن تخوفات الفلاح وعدم اطمئنانه أثناء الصابة أو عند النقص في الانتاج. ولذلك فان الرؤية عنده تبقى متذبذبة في الانتاج السنوي المستمر نتيجة عوامل السوق والعرض والطلب التي تختلف من سنة الى أخرى ومن موسم الى آخر. فكيف يمكن تجاوز هذه الظاهرة وطمأنة الفلاح للاقبال على الانتاج سنويا دون تخوف من كساد انتاجه؟ وما هي أبرز الاليات التي يجب ارساءها في هذا الجانب ليتواصل الانتاج بمستوى راق، وليطمئن الفلاح على أنه مهما أنتج فإن جهده لن يذهب سدى؟ المشهد الفلاحي والإنتاج السنوي الموسمي من المواد الطازجة إن تقلبات الانتاج بين الوفرة تارة والنقص طورا آخر تبقى من أبرز المظاهر التي يتسم بها الانتاج الفلاحي في تونس. وإذا كان عامل التقلبات المناخية ونقص المياه من الاسباب البارزة التي تؤثر عندنا في الانتاج بين سنة واخرى، فإن هذا العامل قد أصبح ثانويا الآن بفعل التطور الذي شهده القطاع الفلاحي واتساع المساحات المروية في عديد جهات البلاد. فما هو المشكل الاساسي في هذا المجال وكيف يمكن معالجته؟ السياسة الفلاحية في مستوى الانتاج وحمايته، وضبابية الرؤية بالنسبة للفلاح هي المشكل الاساسي على ما يبدو. فالفلاح عندنا يعمل لموسمه، وليست له رؤية وتطمينات كاملة يمكنها أن تطمئنه على الدوام بخصوص الانتاج المتواصل وترويج انتاجه دون خسائر وفي أحسن الظروف، وتجعله ينصرف الى هذا الجانب بشكل دائم. وعلى هذا الاساس فإن الفلاح عندنا بات يقامر تارة ، ويتراجع طورا بخصوص زراعة هذه المادة أو تلك، على اعتبار أن لا أحد يضمن له السوق عند وفرة الانتاج. ولا شك أن الأمثلة عن هذا التذبذب عديدة، وازمات النقص السنوي في هذه المادة أو تلك ظاهرة تكاد تحصل سنويا، مما يدعو الدولة للتدخل وتوريد هذه المواد لتعديل السوق. فمنتجو البطاطا مثلا خلال هذا العام وفي السنوات الفارطة عاشوا هذا الواقع بكل مرارة، فإذا انتجوا وكانت الصابة هامة، كسدت بضاعتهم وتدنت أسعارها، وإذا كان انتاجهم محدودا وقع لومهم وندموا على ذلك. واذا كنا قد أخذنا مثال منتجي البطاطا، فإن هذا الاشكال يتسع لمجلات انتاجية فلاحية أخرى متعددة من أنواع الخضر والغلال التي إن توفر انتاجها كان الفلاح فيها خاسرا بحكم مجالات العرض والطلب، وتدني الاسعار، وإن تراجع انتاجها ارتفعت اسعارها وتذمر المستهلك من ذلك. ولعلنا في هذا الجانب يمكن أن نستشهد بكل أنواع الانتاج الفصلي من الخضر والغلال التي تنتهي بانتهاء الفصل، ويجد الفلاح نفسه مفرطا بها بأبخس الاسعار اذا كان انتاجها وفيرا وباسعار مرتفعة اذا ما قل انتاجها. أن هذا التذبذب على مستوى الانتاج والتسويق يدعو الى مزيد الاحكام والتصرف، والى ارساء حلقة تربط بين الانتاج والتوزيع ويمكنها أن تحكم هذا المجال بشكل يحافظ على مردودية عالية للانتاج، وتوفر لهذه المواد بشكل يكون لمدة أطول في السوق. فما هي الحلقة التي تنقصنا في هذا المجال؟ كيف يمكن ارساؤها ومن يجب أن يتولاها وما هي أبرز المزايا القادرة على توفيرها؟ شركات كبرى للتخزين والتوزيع في علاقة مباشرة مع أسواق الجملة لو اطلعنا على التجارب الأوروبية في هذا البعد بكل من فرنسا وايطاليا وغيرها من بلدان حوض المتوسط الشمالية، للاحظنا أن هناك تجارب ناجحة في هذا المجال، وذلك بارسائها حلقات وسطى بين الانتاج والتسويق، مهمتها التعامل المباشر مع الفلاح وشراء كافة انتاجه من ناحية، ثم من ناحية أخرى توليها التعامل اليومي مع اسواق الجملة وتزويدها المستمر بما يلزمها من هذه المنتجات. وبناء على هذه الحلقة أو الخطة، فإن الفلاح هناك مطمئن على انتاجه من حيث البيع، ومنصرف تماما الى الانتاج بكل ما أوتي من قوة. ولعل البارز في هذا المجال هو انخراط مستثمرين خواص في هذه الحلقة وتوليهم إياها بالكامل، والتزامهم أيضا باستمرارية واستقرار التزويد، والضغط والتحكم في اسعارها ، بعيدا عن الهزات أو النقص في التوزيع. التجربة واستثمار الخواص فيها إن مجالات الاستثمار الخاص وسياسة الدولة في دعم هذا التوجه والعمل على ارسائه من أبرز الخطط المعتمدة منذ المخطط العاشر للتنمية ولحد الآن، ونعتقد أنها ستتواصل بشكل لا رجعة فيه، خاصة مع دفع التنمية الجهوية، وإعطائها الأولوية وتوفير كل مستلزمات نجاحها. كما لا يفوتنا في هذا الجانب الحديث عن البرامج والخطط التي وضعت ويجري تطبيقها في مجال تطوير مجالات مسالك التوزيع التجارية، علاوة على المشاريع المنتظر ارساؤها في هذا الجانب مثل سوق جملة متطور. جملة هذه الجوانب والتوجهات يمكنها أن تمثل الأرضية لبعث حلقة ربط بين الانتاج والتوزيع لهذه المواد الحساسة وتطور مجالات الانتاج الفلاحي فيها، وترفع أيضا كافة التخوفات والهواجس التي يعاني منها الفلاح في تونس، وتصرفه بشيء من الاطمئنان على الانتاج . فهل تسعى المصالح المسؤولة الى ارساء مثل هذه الخطة؟