صفاقس الصباح تمثل ظاهرة »المعاومة« في انتاج الزيتون وتفاوت الصابة من سنة الى اخرى، مشغلا مهما من مشاغل الفلاحين ومنتجي الزيت في مختلف الجهات رغم ما يبذل من قبل جميع المتدخلين لتحسين انتاج وانتاجية غابات الزياتين، اذ تشير توقعات هذا العام الى تراجع صابة انتاجنا من الزيتون بنسبة 20% لتكون في حدود 160 ألف طن فقط مقابل حوالي 200 الف طن خلال الموسم الماضي. وسعيا لفهم اسباب ظاهرة ما يسمى لدى الفلاحين والمنتجين ب»المعاومة« التقت »الصباح« بالدكتور البشير بن روينة، الباحث بمعهد الزيتونة بصفاقس وتحدثت معه حول اسباب تراجع انتاجية غابات الزيتون في مختلف الجهات والحلول والاجراءات الواجب اتخاذها لضمان استقرار الصابة وتحسين مردودية غابات الزيتون في السنوات القادمة. المرتبة الثالثة... لاحظ لنا الدكتور البشير بن روينة ان انتاجية غابة الزيتون في تونس داخل الهكتار الواحد هي الاضعف على المستوى العالمي وذلك حسب احصائيات المجلس الدولي للزيتون سنة 2005، اذ لا يتجاوز انتاج الهكتار الواحد من الزياتين حدود 750 كغ مقابل 980 كغ في المغرب و2250 كغ في سوريا ويصل الى 2400 كغ في اسبانيا و2500 كغ في ايطاليا داخل الغابة المطرية. وفسر محدثنا اسباب ضعف الانتاج، خاصة في منطقة الشمال التي تضم وحدها ثلث الغابة بعدم اهتمام الفلاح ونقص العناية اذ تأتي شجرة الزيتون في المرتبة الثالثة او الرابعة بعد انتاج الاعلاف وتربية الماشية وزراعة الحبوب والخضر، فرغم العدد الكبير لاشجار الزيتون والمساهمة في الانتاج الوطني بحوالي 20% من الزيت... والامطار الكبيرة، فان الطريق مازالت تقليدية في هذه المنطقة، اما في الوسط والجنوب، فان الظروف المناخية هي السبب الرئيسي لتراجع الصابة بسبب نقص الامطار وارتفاع درجات الحرارة وكذلك الارتفاع المسجل في كميات »النتح« اي التبخر المائي الذي يتم بين شجرة الزيتون والارض. غابة هرمة ويرى الدكتور في ذات السياق، ان غابة الزيتون في منطقتي الوسط والجنوب اصبحت مسنة وهرمة، ولم يتم تجديد اشجارها الا بصفة محتشمة، ذلك ان 30% من الغابة تجاوز 80 سنة وحوالي 13% من الاشجار تجاوزت في عمرها ال100 سنة، هذا الى جانب تواجد بعض الغابات فوق اراض غير ملائمة لانتاج الزيتون وغراسته. وفسر محدثنا ظاهرة »المعاومة« وضعف الانتاج ايضا وتراجعه، بضعف الكثافة في مستوى الغراسة في جميع المناطق اذ يبلغ المعدل حوالي 100 شجرة في الهكتار الواحد في مناطق الشمال وبين 35 و50 شجرة في مناطق الوسط، في حين لا يتجاوز 17 شجرة في مناطق الجنوب، ليكون بذلك في حدود 40 شجرة كمعدل وطني داخل الهكتار الواحد وهو المعدل الاضعف على المستوى العالمي والذي يصل الى حوالي 100 شجرة زيتون. حزمة فنية وفي حديثه عن الحلول الممكن اتخاذها بهدف التقليص من ظاهرة »المعاومة« والترفيع في انتاجنا الوطني من الزيتون وتحسين مردودية الغابة التونسية قال الدكتور بن روينة انه لابد من مراجعة كثافة الغراسات وقلع الاشجار المسنة، واعادة هيكلة الغابة، واكد لنا ان حوالي 20 مليون شجرة من مجموع 70 مليون شجرة زيتون لابد من تجديدها بصفة فورية واستعمال القواعد العلمية في ذلك، واعتماد الحزمة الفنية الضرورية لانجاح الغراسة، وذلك بحسن اختيار التربة المناسبة، والاصناف المنتقاة والمتأقلمة مع الظروف المناخية الصعبة، كما بات من الضروري تشجيع الفلاح التونسي على الاقبال على تجديد الغابة بعد اقتناعه بجدوى هذه العملية وذلك عبر وضع حوافز مالية لفائدته، وايصال معطيات البحث العلمي الى المستعمل عن طريق الارشاد الفلاحي والعمل على التوسع في غراسات الزيتون المروية بتوظيف واستعمال المصادر غير التقليدية للمياه ومن ذلك المياه المعالجة والمالحة وشبه المالحة.ومن ناحية اخرى يرى الباحث البشير بن روينة ان قدرتنا التنافسية ضعيفة نسبيا لان كلفة الانتاج عالية بسبب ضعف الانتاجية وقال بأن ظاهرة »المعاومة« هي ظاهرة فيزيولوجية لا دخل للفلاح فيها، غير ان الظروف المناخية الصعبة في مناطق الوسط والجنوب يمكن تداركها وتجاوزها بالعودة الى الطرق القديمة في تجميع المياه والمحافظة على التربة، وتخصيبها بعد ان اصبحت مهددة، وفقيرة خصوصا في المواد العضوية اذ تبلغ نسبة 1% في الشمال، وتنخفض الى حوالي 0.3% في الوسط والجنوب مقابل حوالي 3% في دول اوروبا وأمريكا.ويرى محدثنا انه لا بد من تكوين اليد العاملة المختصة في الجني والتقليم، لان خيارنا وهدفنا هو الحصول على زيوت تونسية ذات جودة عالية، ولابد في هذا السياق من تطوير قدرتنا التنافسية باستغلال القيمة التفاضلية للزيوت التونسية، كما بات من الضروري التوجه نحو انتاج الزيوت البيولوجية والتي لا تتجاوز حاليا حدود 200 الف هكتار، هذا الى جانب العمل اكثر على تصدير الزيوت التونسية معلبة وتثمينها وهو ما سيعطيها قيمة مضافة.