تونس-الصباح تعد ظاهرة تعاطي المخدرات من الظواهر السلوكية المنحرفة والمتنامية للأسف في صفوف الشباب اليوم والتي يتهدد خطرها كافة الشرائح والاوساط وتتطلب الوقوف عند أسبابها ومسبباتها وآثرها الجانبية على الفرد والمجتمع والسعي للحد من تفاقمها وإيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها. ووفق ما توفر لدينا من معطيات ينتظر أن يكون ملف تعاطي المخدرات محور درس وتمحيص في الفترة المقبلة وذلك في إطار التوصيات المنبثقة على اثر انجاز الدراسة الأخيرة من طرف المرصد الوطني للشباب حول الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب من التشخيص إلى استشراف آليات الوقاية، والتي تعرضت لموضوع تعاطي المخدرات ومدى انتشارها في صفوف الشباب ذكورا وإناثا .وخرجت الدراسة بجملة من المؤشرات تؤكد ضرورة إيلاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحقه من منطلق مبدا الوقاية خير من العلاج واحتواء هذه الظاهرة قبل أن يتفاقم خطرها على المجتمع. قبل عرض أهم النتائج والمؤشرات الواردة في الدراسة حول الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب تجدر الإشارة إلى جملة من المعطيات لوضع الدراسة في إطارها العام. لقد شمل الجزء الخاص بالعمل الميداني المنجز في إطار هذه الدراسة 50 مراهقا وشابا ذكورا وإناثا تتراوح أعمارهم بين 15 و21 سنة كانوا على ذمة التحقيق أو صدرت بشأنهم أحكام وتم الإعتماد على تقنية الاستمارة والحديث مع المستجوبين بشكل فردي حول مسار حياتهم لتحديد ملامح المراهقين والشبان الذين يمكن اعتبارهم منحرفين بسبب اقترافهم لأفعال مخالفة للقانون من جهة ولحصر العوامل التي من شأنها إفراز ممارسات ووضعيات اجتماعية واقتصادية هشة من جهة أخرى. ورد في الدراسة أن ظاهرة تعاطي بعض المواد الاصطناعية المخدرة (اللصاق،الشابة،الزطلة ...) بدأت تتسرب داخل أمكنة معزولة ببعض المناطق في صفوف عدد من الفئات الشابة... كما أفرزت نتائج العمل الميداني المنجز فيما يتعلق بعلاقة الشباب المستجوب بتعاطي المخدرات أن قرابة نصف المستجوبين صرحوا بتعاطيهم المخدرات في السابق رغم صغر سنهم والمنع القانوني لذلك.وأن هذه الظاهرة تنتشر بشكل أكثر أهمية في صفوف الإناث مقارنة بالذكور. وتشير الدراسة في هذا السياق أن استهلاك المخدرات لدى الفتيات يتنزل في مسارات هشة تتعدد فيها الصعوبات وتتنوع فيها أشكال الاقصاء كالفقر والبطالة والاغتصاب وفقدان البكارة خارج إطار الزواج والحمل غير المرغوب فيه،خلافا للفتيان الذين لا يعانون بالضرورة من التهميش في حياتهم. شهادات حية ورد في الدراسة أن شهادات بعض المستجوبين الذكور تفيد أن تعاطي المخدرات لا يرتبط بالضرورة بمسارات أشخاص يواجهون صعوبات في الاندماج الاجتماعي والاقتصادي أو منحرفين بالأساس وتكون التهمة الوحيدة الموجهة لهم هي استهلاك مادة مخدرة تنتهي بهم إلى مؤسسة اصلاحية أو السجن رغم أنهم كانوا يزاولون دراستهم أو يمارسون نشاطا مهنيا.وتورد الدراسة في هذا السياق شهادة الشاب الهادي البالغ من العمر 17 سنة والذي أودع بمؤسسة اصلاحية بسبب استهلاك مادة مخدرة حيث يقول في هذا السياق" أنا لست منحرفا ولست مجرما وتهمتي الوحيدة أنني تعاطت المخدرات في مناسبتين مع شاب من الحي تورط فيما بعد في عملية سرقة وتم اخضاعه إلى التحليل الطبي الذي بين استهلاكه لمادة مخدرة ،وقد ذكر هذا الشاب اسمي في التحقيق مما ترتب عنه إيقافي بعد اثبات التحليل الطبي استهلاكي لمادة مخدرة...أنا مظلوم وغير قابل لوضعيتي...". في السياق ذاته ،الذي يبين أن اللجوء إلى المخدرات قد يكون بسبب صعوبات بسيطة قد يتعرض لها المراهقون والشبان في التأقلم مع وضعيات جديدة وقد لا يجدون الانصات الكافي إليهم مما يتولد عنه الالتجاء إلى المخدرات ، تأتي شهادة منير البالغ من العمر 19 سنة وحيد والديه والمنحدر من وسط اجتماعي مترف ،كان على وشك اجتياز امتحان الباكالوريا إلا أن إيقافه بسبب تعاطي المخدرات جعله يصبح من بين المخالفين ومن ذوي السوابق العدلية "...كانت نتائجي المدرسية عموما طيبة إلى حدود السنة الثالثة من التعليم الثانوي و بتغييري المعهد الذي كنت أزاول فيه تعليمي عرفت حياتي اضطرابا دفعني إلى تعاطي المخدرات ...كنت أتعاطي المخدرات يوميا مع أصدقائي ...كما تعمدت سرقة مصوغ أمي حتى أتمكن من الحصول على المخدرات...وأنا حاليا موقوف في السجن بسبب ثبوت استهلاكي لمادة مخدرة بواسطة تحليل الدم ..لقد تم القبض علي إثر نشوب معركة بين مجموعتين من الشبان أصدقائي..." قسم آخر من متعاطي المخدرات تكون ظروفهم الإجتماعية والعائلية والنفسية سببا مباشرا في ذلك على غرار سميرة البالغة من العمر 15 سنة التي عرفت مشاكل متعددة في حياتها بسبب التفكك الذي عانت منه عائلتها واغتصابها في سن الثانية عشرة من قبل أربعة شبان... فقد أودعت المؤسسة الاصلاحية برغبة من ولية أمرها(المرأة التي تبنتها) بعد أن تبين لها أن الفتاة التي تبنتها تتعاطي المخدرات "... دخلت المؤسسة الاصلاحية بسبب المرأة التي تبنتني والتي كانت في البداية تحسن معاملتي.. فقد عمدت هذه المرأة إلى ابلاغ مصالح الأمن باستهلاكي للمخدرات وهوما أكده تحليل دمي ،مبررة ذلك برغبتها في انقاذي من الحالة التي كنت عليها..." الاقتداء بالأصحاب والأصدقاء أو ما نطلق عليه بالعامية"الخلط" قد تؤدي كذلك إلى طريق المخدرات لا سيما وأن أغلب المستجوبين المتعاطين للمخدرات صرحوا أن استهلاكهم لهذه المادة يكون غالبا مع أصدقائهم ،فهو نشاط جماعي يمارس بعيدا بين الأتراب بعيدا عن رقابة الكهول .في هذا الصدد تقول سعيدة البالغة من العمر 17 سنة والتي أودعت بالمؤسسة الاصلاحية في مناسبة أولى بسبب البغاء وفي مناسبة ثانية بسبب المراودة "...تعرفت على الكثير من الأصدقاء من الجنسين خاصة في العاصمة بعيدا عن الحي الذي كنت أقطن فيه وكانت غالبا ما تدور مواضيع الحديث مع الأصدقاء حول ترويج واستعمال المخدرات والعلاقات الجنسية وتجاوز الحدود خلسة ...هذه الصداقات هي التي أوقعت بي في الانحراف وجعلتني أتعاطي المخدرات والبغاء..." الآليات الحالية لمحاصرة الظاهرة تطرقت كذلك دراسة الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب في الجانب المتعلق بالإدمان والمخدرات إلى تقييم الآليات المتوفرة حاليا لمعالجة ظاهرة الادمان على المواد المخدرة.وتشير الدراسة في هذا الإطار إلى أن الآليات المعتمدة حاليا لمحاصرة هذه الظاهرة ليست في مستوى الملاءمة والجدوى المطلوبين وخاصة فيما يتعلق بالجانب الصحي .إذ أن المؤسسات المتوفرة على غرار مركز جبل الوسط ومستشفى الرازي لا تستجيب في وضعها الحالي للصيغ الخصوصية اللازمة ولا توفر للمدمنين الذين يرومون التخلص تلقائيا من الادمان إمكانية الانتفاع بالخدمات الطبية الضرورية للإقلاع عن تعاطي المخدرات وهو ما يحد من نجاعة الامكانية التي وفرها قانون المخدرات في علاج المدمن غير العائد والذي لم تنطلق ضده التتبعات الجزائية كما أن المستشفيات العمومية يمكنها أن تقوم بفحوص أولية و تشخيص ووصف بعض الأدوية إلا أنها لا توفر الظروف لفترات استشفائية خصوصية... يذكر كذلك قلة الهياكل المختصة (الجمعيات مثلا) في مساعدة متعاطي المخدرات على تجاوز تبعيتهم لهذه المادة حيث يجد عدد كبير من المراهقين والشبان أنفسهم فاقدين للسند المعنوي وللتوجيه الطبي والمرافقة الصحية والنفسية في حالة إدمانهم وتورد في هذا السياق الدراسة حالة دالة على قلة الهياكل المختصة في مساعدة المدمنين إذ أن فضيلة (18 سنة)وهي احدى المستجوبات ذكرت أنها خيرت تقديم نفسها لمصالح الأمن طالبة خضوعها لتحليل دم حتى يتم إعانتها على التخلص من إدمانها على المخدرات وحماية عائلتها من عنفها المتولد عن ذلك وتبعا لذلك التحقت هذه الفتاة بالمؤسسة الاصلاحية عوضا عن طلب النجدة من هيكل مختص في مساعدة المدمنين على المخدرات...