قد لا يختلف اثنان ان هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت حتى الان من ضمن الاحداث الاكثر استئثارا بالكتابات والتعاليق بكل لغات العالم بعد ان اضحت ومنذ ست سنوات تاريخا يحدد التحولات الكبرى الحاصلة على الساحة الدولية والاقليمية وحدثا يحدد العلاقات الدولية. لقد ظلت احداث الحادي عشر من سبتمبر وعلى مر السنوات الماضية هاجسا يؤرق كبار المسؤولين وصناع القرار في مناصبهم تماما كما يؤرق مختلف الاوساط الشعبية التي كانت اول من تحمل مخاطره وتبعاته وانعكاساته حيثما كانت يد الارهاب قادرة على ضرب المدنيين واستهدافهم بين اهليهم وفي بيوتهم او حتى في المدارس والمستشفيات ورياض الاطفال. وكما ان اول ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا من المدنيين الامريكيين وغيرهم من الجاليات الاجنبية ممن تواجدوا في المواقع المستهدفة في نيويورك وواشنطن دون ذنب ارتكبوه فان ضحايا الهجمات اللاحقة التي استهدفت مدنا عربية من صنعاء الى الرياض ومن الدارالبيضاء الى شرم الشيخ وجربة عمان وقبل ايام الباتنة ودليس بالجزائر وتلك التي استهدفت مدنا اوروبية من مدريد الى لندن او اسلامية من باكستان الى ماليزيا واندونيسيا بدورها كانوا ضحاياها من النساء والاطفال وغيرهم ممن كانوا في طريقهم الى العمل او الدراسة او لقضاء شان من شؤونهم. ولعل في تلك المشاهد المشتركة لصور الضحايا ولاشلائهم المتناثرة على الطرقات ما يمنح الارهاب اكثر من مفهوم واحد وانه ايا كانت قدرة يد الارهاب واليته على الامتداد لزرع الخوف والرعب بين الناس فان وجه الارهاب واحد لا يتغير ولايقبل التبريرات والمساومات ايا كان نوعها على ان ذلك لا يمكن باي حال من الاحوال ان يشكل دافعا لتجاهل الاسباب التي توفر الارضية للارهاب والعنف والتطرف وكلما كان العالم قادرا على تحديد تلك الاسباب كلما كان اقدر على تطويقها ومنع انتشارها او تكرارها فالارهاب كالمرض الخبيث لا يعلن وجوده الا بعد استهداف ضحيته ولايساعد على مواجهته الا باستئصاله ولكن قبل ان تمتد جذوره الى الباطن وتستعصي متابعته... على مدى ست سنوات وفي كل ذكرى جديدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر ظلت مختلف الاوساط الاعلامية والديبلوماسية في الغرب حريصة على ان تبقى تلك الذكرى قائمة في ذاكرة العالم تماما كحرصها على بقاء ذكرى الهولوكوست او المحرقة قائمة لا تموت وهي بذلك تحرص على ابقاء عقدة الذنب قائمة في تعاملها مع تلك الهجمات التي يعتقد حتى الان في تورط تسعة عشر شابا سعوديا في تنفيذها وتحميل شعوب العالم العربي والاسلامي تبعاتها وانعكاساتها الانسانية والاخلاقية والسياسية وحتى الاقتصادية وغيرها ولاشك ان هجمات مدريد ومن بعدها هجمات قطار لندن قد ساعدت في احيان كثيرة على توجيه اصابع الاتهام الى العرب والمسلمين حتى في المرات التي ثبت وان المتورطين فيها مواطنون ينتمون الى البلد الذي تعرض للاعتداء كما هو الحال في هجمات لندن بعد ان اتضح ان المورطين بريطانيين في مولدهم ونشاتهم وفق ما تؤكده بطاقات هويتهم... ولكن من المفارقات المسجلة فيما يتعلق بالدول العربية والاسلامية عموما ازاء هكذا وضع انها وجدت نفسها في موضع المطالب بصك البراءة وتبرئة الذمة والاستعداد دوما لاعلان دعمها للحملة الامريكية الدولية على الارهاب... تساؤلات كثيرة ولكنها مشروعة تعود في كل مرة لتؤكد ان ما لم يكشف عن اطوار وملابسات هجمات الحادي عشر من سبتمبر اكثر مما كشف بكثير ولعل فيما تتضمنه تقارير الاستخبارات الامريكية ووثائقها السرية عندما يصبح بالامكان فتحها بعد عقود ما يمكن ان يساعد على وضع بعض النقاط على الحروف ليزيح اللثام عن المتورطين وعن اهدافهم وخاصة عن كيفية توصلهم لارتكاب ما اقدموا عليه لان الكشف عن ذلك يمكن ان يكشف الكثير من النقاط العالقة التي تثير الشكوك لدى الامريكيين كما لدى غيرهم ايضا من الشعوب فايا كانت قدرات تلك المجموعة وامكانياتها على المراوغة وايا كان حجم ذكائها في التخطيط والتنفيذ لتلك العمليات فان الاكيد ان اطرافا فاعلة ساعدتها بشكل مباشر او غير مباشر على تنفيذ تلك الهجمات الامر الذي من شانه ان يبقي على نظرية التواطؤ قائمة في اذهان الكثيرين.... ربما تكون الصدفة وحدها شاءت ان يتزامن الكشف عن استعداد شبكات ارهابية "اصولية متطرفة " لتوجيه ضربات موجعة من المانيا الى الدانمارك مع حلول الذكرى السادسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بكل ما يمكن ان يعنيه ذلك من استمرار لعقدة الذنب التي يتعين على العرب والمسلمين جرها جيلا بعد جيل ليتحملوا بذلك اثم احد الاوبئة المستعصية في العالم ولكن اكثرها تفاقما وسرعة في انتقال العدوى... فهل بات العالم اليوم اكثر امنا واستقرارا مما كان عليه قبل تلك الهجمات وما الت اليه من حروب من افغانستان الى العراق وفلسطين ولبنان والجواب هذه المرة ليس بالامر المستعصي والاخبار القادمة من الشرق الاوسط تتحدث عن نفسها وان العالم قد يكون مقبلا على حالة من الفوضى والغموض لا حد لها وان سياسة من ليس معنا فهو ضدنا لم تعد بالتالي قادرة على اجتثاث المخاوف وتغيير الواقع... وعندما يعلن في الذكرى السادسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر عن مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب في إسرائيل فالأكيد أن الحديث عن الارهاب وأخبار الارهاب لن تختفي قريبا من صفحات الجرائد واهتمامات الخبراء... وسيبقى السؤال المطروح هل يكون مؤتمر تل أبيب لمكافحة الارهاب منطلقا لاعتراف إسرائيل بممارساتها الارهابية أو محاولة لشرعية الارهاب لصالح أطراف دون غيرها.