بين احداث المسجد الاحمر الواقع على بعد خطوات من مقر الاستخبارات الباكستانية في العاصمة اسلام اباد وبين احداث مخيم نهر البارد في لبنان تتكرر العناوين وتتداخل الاحداث وتتشابه التصريحات وصور الاحزمة الناسفة التي يتمنطق بها الانتحاريون والتهديدات التي يطلقونها من خلف الاقنعة السوداء والرسائل القصيرة المرسلة الى الفضائيات تكاد تكون واحدة لولا اختلاف الاصوات واللغات اما تلك الصور والانباء القادمة من افغانستان فلا تقل اثارة عن سابقاتها طفلة تعدم بسبب ترددها على المدرسة والعشرات يقتلون في الاسواق الشعبية في العاصمة العراقية بغداد وغيرها ايضا من المدن العراقية وفي بريطانيا اطباء مسلمين يقفون وراء احدى اخطر الشبكات الارهابية وحتى في الفيليبين التي قلما تثير الانتباه فان في الانباء القادمة من هناك ما يدعو للتساؤل عما يمكن ان تخفيه هكذا احداث من تطورات لاحقة بعد ان بات ظهور أية بؤرة عنف او تطرف من شانه ان يهيّء لظهور اخرى في أي مكان من العالم اكثر خطورة وتعقيدا... ولعل ما يمكن ان يدعو للتوقف عند هذا المشهد او ذاك ما بات يوجه من اتهامات مباشرة او غير مباشرة للاسلام والمسلمين وحدهم ازاء ما يحدث سواء من جانب الغرب او من جانب المصادر الرسمية للدول المعنية بمثل هذه الاحداث حتى انها باتت تعتمدها كغطاء في تبرير الكثير من خياراتها السياسية وتوجهاتها التي من شانها ان تثير انشغال وانتقاد المنظمات الحقوقية لها في الداخل والخارج... ولاشك ان مجرد التوقف عند حدود هذا الاتهام ما يمكن اعتباره اشبه بتمسك البعض بالتوقف عند قوله تعالى "ويل للمصلين"، ولعل في عدم التوصل الى مصطلح دولي محدد لمفهوم الارهاب بعد ست سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر ما يؤكد ان الحملة الدولية المعلنة على الارهاب لن تتوقف قريبا وان حجم المبالغ التي انفقتها الادارة الامريكية من افغانستان الى العراق والتي قدرت حتى الان باكثر من خمسمائة مليار دولار لا يمكن باي حال من الاحوال ان تقتلع جذور الارهاب او تضمن حماية العالم والشعوب من مخاطره وآفاته المتكاثرة بعد ان تعددت اشكال الارهاب واهدافه وتعددت هوياته حتى بات من الصعب على اقدر الاستخبارات واكثرها امتدادا في العالم ان تتنبا بشكل دقيق بموعد ومكان ومخططي او منفذي أي خطر ارهابي محتمل مقبل... ظاهريا تبقى كل التقارير الاستخبارية المعتمدة اوعلى الاقل ما يسمح بنشره منها موجهة لجعل الادلة والبراهين المعتمة تسير الى اتجاه تحميل الاسلام والمسلمين المسؤولية الاكبر في مختلف احداث العنف والارهاب بما يؤكد الكثير من القراءات بشان الحاجة الى استمرار الحملة الامريكية المفتوحة على الارهاب قائمة وفق مبدا من ليس معنا فهو ضدنا... ولكن نظرة على مختلف الاحداث المتواترة من شانها ان تكشف ان وضع الرئيس الباكستاني برويز مشرف في مواجهته للمتمردين في الجامع الاحمر او كذلك وضع الرئيس الافغاني قرضاي في مواجهته لفلول طالبان العائدة بشكل مثير للانتباه او كذلك وضع رئيس الحكومة العراقية المالكي في مواجهته للمقاومة العراقية كما للحركات والميليشيات المسلحة لا يختلف في جانب منه عن وضع الرئيس الامريكي في مواجهته لحالة التمرد الحاصل في الكابيتول هيل والاتهامات بالفشل بسبب الحرب الدائرة في العراق... فقد باتت الاسباب والنتائج متداخلة بشكل معقد فيما باتت الحلول شبه مفقودة على الاقل في المرحلة الراهنة وهذا ما اقر به زبيغنيو بريجنسكي المستشار القومي للرئيس كارتر سابقا عندما اقر" بان المنطق المتداول لدى الادارة الامريكية كما لدى البنتاغون انها حرب دينية وان هؤلاء الانتحاريون انما يفجرون انفسهم من اجل الرب ولكن الحقيقة ان الدوافع التي تحرك الارهابيين او الانتحاريين او المتمردين كل هؤلاء كرههم للامريكيين لسبب او لاخر"، وليضيف نقلا عن صحيفة "يو اس توداي" ان الامر يتعلق بمسائل سياسية بحتة قد تبدو ظاهريا مسائل دينية ولكن الواقع انها مرتبطة بسياستنا ولننظر الى الذين يعارضون الولاياتالمتحدة وبريطانيا واسرائيل نحن اليوم المحتلون البريطانيون الجدد تماما كما اعتبرنا من قبل في فيتنام استمرار للاحتلال الفرنسي". لقد اشارت دراسة حديثة للاستاذ روبيرت باب من جامعة شيكاغو اعتمد فيها اكثر من ثلاثمائة حالة ان التحقيقات التي تمت في عدد من العمليات الارهابية توصلت الى نتيجة واحدة وهي ان الدوافع خلفها لم تكن دينية ولكن سياسية، وان الذين اخضعوا للتحقيقات كانت لديهم بالاحرى دوافع مختلفة كان بعضهم شيوعيين وبعضهم اشتراكيين وبعضهم قوميين وبعضهم من الاخوان المسلمين حسب التقرير، ولكن الاهم من كل ذلك ان دوافعهم كانت بسبب الاحتلال الاجنبي وبسبب الارض وقبل اسبوع اشار بيتر بيرغن الخبير الامريكي في شؤون الارهاب لشبكة «سي ان ان» انه من بين كل" الارهابيين" الذين عرفهم او تعامل مع قضاياهم لم يكن احد منهم ينتمي للمدارس الدينية وان اغلبهم كانوا من خريجي الجامعات الغربية وكانوا من المهندسين والاطباء وغيرهم وهو ما اشار اليه المحققون في هجمات لندن وغلاسكو الفاشلة بعد اعترافات المشتبه فيهم بان دوافعهم كانت بسبب العراق وفلسطين وهو ما يؤكد بكل بساطة ان العنف لا يولد غير العنف وان الارهاب لا يولد غير الارهاب ايا اختلفت المسميات والاهداف. وعندما توصلت القوات الامريكية الى الزرقاوي فقد كانت تعتقد انها تخلصت نهائيا من جزء مما تعانيه قواتها في العراق ولكن اتضح لها خطا حساباتها وان اختفاء الزرقاوي انما ساعد على استنساخ المزيد من امثاله... لم يعد اذن الفقر والضغوطات الاجتماعية والبطالة وغيرها من اسباب الخصاصة والاحساس بالذل الدوافع وراء تفاقم ظاهرة الانتحاريين وربما يؤدي الكشف عن شبكة اطباء لندن الى ظهور تخصصات جديدة لم تكن معروفة حتى الان. الم يكن مخططو ومنفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر من ذوي المال واصحاب الشهادات الجامعية والمهارات العليا!؟