عندما تقر اوروبا بان ظاهرة تصاعد العداء والتمييز العنصري ازاء ستة عشر مليون مسلم في اوروبا حقيقة قائمة لم يعد من مجال لتجاهلها او التقليل من شانها فقد يكون في ذلك خطوة اولى باتجاه توضيح الكثير من الافكار السلبية المسبقة التي ارتبطت خطاها بالاسلام ولكنها تبقى ايضا خطوة قد تحتاج لمزيد الخطوات الجريئة لمواجهة الافكار المتطرفة والمتعالية الرافضة لجسور الحوار والتقارب بين مختلف الثقافات والحضارات والاديان والشعوب وللتصدي لكل الاصوات المروجة لصراع الحضارات والاديان... بالامس اختتمت في مدينة قرطبة الاسبانية اشغال المؤتمر الاوروبي حول التعصب والتمييز ضد المسلمين في اعقاب يومين من المناقشات والدراسات حول احدى اعقد القضايا التي باتت تشغل السياسيين الغربيين وتتصدر اهتمامات المحللين والخبراء واذا كان العالم قد تعود ومنذ حرب العراق على اللقاءات والمؤتمرات الخاصة بمواجهة ظاهرة مشاعرالعداء ازاء امريكا او اسرائيل فانها احدى المرات النادرة التي يسلط فيها الاهتمام على مشاعر عداء الغرب للمسلمين. فقد كشف المؤتمر الذي سجل مشاركة اكثر من خمسين ممثلا عن الدول الاعضاء في منظمة الامن والتعاون الاوروبي ان اغلب التقارير التي اعدها المركز الاوروبي لمكافحة العنصرية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر تؤكد تنامي مظاهر العداء والكراهية للمسلمين في اوروبا حتى ان سويسرا التي تعد اعرق الديموقراطيات الاوروبية تشهد اعلى نسب العداء للمسلمين فيها... ولعل الاخطر ان هذه الظاهرة باتت تمتد لتهدد الاستقرار الاجتماعي للمسلمين حيثما يتواجدون امام تزايد الرفض والصد لهم في عدد من المجالات الحيوية كالتعليم وتوفر فرص العمل والسكن وهي المجالات التي من شان غيابها ان يؤثر سلبا في تواجد المسلمين في اوروبا ويجعله تواجدا مهمشا ومحدودا يقف عند حد توفير لقمة العيش ولا يساعد هؤلاء في شيء على الالتزام بواجباتهم واحترام حقوقهم والحفاظ على مكاسبهم السياسية او الدفاع عن مصالحهم او تعزيز ما امكن لهم تحقيقه متى اقتضى الامر. ولاشك ان في اختيار مدينة قرطبة بكل ما يمكن ان تجسده من مكانة في تاريخ الاسلام والمسلمين على مدى سبعة قرون وبكل ما تمثله من ماثر مندثرة لاحتضان مثل هذا الحدث محاولة لا تخلو من رموز متعددة لمغازلة الجاليات المسلمة في اوروبا واقناعها بانها جزء لا يتجزا من التركيبة الاجتماعية للشعوب الاوروبية وهي التي لا تجد اهتماما يذكر الا في المواعيد الانتخابية حيث تصبح اصواتها محل تنافس المترشحين من كل الاحزاب . الا انه و برغم كل التحذيرات الصادرة عن المؤتمر الذي اعتبر بمثابة صرخة فزع تطلقها اوروبا في مثل هذا التوقيت فان الواقع يؤكد ان ظاهرة معاداة الاسلام والمسلمين المتفاقمة لا يمكن حصرها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر دون غيرها من الاحداث وكما ان المسلمين وجدوا انفسهم في كثير من الاحيان يتهمون بالتطرف ويحملون بسبب او من دون سبب مسؤولية الارهاب المتفاقم في العالم فان الغرب ايضا له مسؤولية لا يستهان بها في ظهور اليمين المتطرف بكل ما يجسده من افكار معادية ورافضة للمهاجرين من اصول عربية واسلامية. واذا كان المهاجرون من اصول عربية واسلامية وغيرها مطالبين بتعزيز حضورهم السياسي اكثر واكثر لتحقيق مطامحهم السياسية وتجاوز كل العراقيل التي يمكن ان تمنعهم من الاندماج في المجتمعات التي ينتمون اليها فان الحكومات الاوروبية مطالبة بدورها باعادة النظر في بعض التشريعات الخاصة بقوانين مكافحة الارهاب او الهجرة وغيرها والتي لا يمكن الا ان تزيد في عمق اسباب العداء وليس في الحد منها او تجاوزها...