يمثل تغيير السابع من نوفمبر الذي يحتفل التونسيون في الداخل والخارج بكل نخوة واعتزاز بذكراه العشرين تحولا حضاريا رائدا اذن بانبلاج عهد جديد هو عهد المصالحة الوطنية الشاملة واعادة الاعتبار الى قيم المواطنة والعمل والثقة بالنفس وبالمستقبل اذ تحرك ابن تونس البار سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بروح وطنية عالية وقرار ارادي صادر عن وعي بالمسؤولية وشعور صادق بجسامة الرسالة التاريخية ملبيا نداء الواجب نحو الوطن والشعب، ليضع حدا لحالة الوهن التي اصبحت عليها الدولة، وليبشر بحركة اصلاحية متميزة ترتكن الى المخزون التاريخي الثري والتراث الوطني السني، وتستلهم من مشاريع الاصلاح والتنوير والتحديث التي عرفتها البلاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي هي امتداد لها واستلهام لابرز خصائصها واهم مميزاتها: فهي مثلها تختص بالرؤية الاستشرافية والمراهنة على مسابقة الزمن واستباق الاحداث والاستعداد الامثل للمستقبل وقراءة كل حساب لما قادم وآت. فكما توقع المصلح خيرالدين حصول الاحتلال ودخول المستعمر نتيجة الاوضاع المتردية التي كانت تعيشها تونس على مختلف المستويات، فكان ان سارع الى وضع خطة للاصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي سعيا الى تجنب الخطر المنتظر، استشرف الرئيس ابن علي المستقبل وعرف بحكمته وحصافة رأيه ما يخفيه من مخاطر وما يطوي عليه من تحديات غير انه على خلاف خيرالدين استطاع ان يسبق الاحداث بدل ان تسبقه، معيدا الامور الى نصابها منقذا البلاد من حالة الوهن والتردي، للتونسيين والتونسيات محققا لهم نقلة نوعية في حياتهم اليومية فاتحا ابواب الامل والطموح رحبة واسعة امامهم. فهو لم ينتظر تفكك الاتحاد السوفياتي ولا سقوط جدار برلين لكي يؤسس لمجتمع يقوم على الحرية والديموقراطية والتعددية، لا مكان فيه للحكم الفردي والشخصنة وكبت الاصوات وخنق الحريات، ولم ينتظر حدوث الهزات التي عرفتها بعض المجتمعات لكي يتبنى انموذجا للتنمية اساسه التكافل والتضامن والتعاون، ومنهجه التكامل بين الابعاد الاقتصادية والاجتماعية، كما لم ينتظر صيحات الفزع التي اطلقت هنا وهناك ضد التعصب العنصري والديني وما اثمره من تطرف وارهاب وعنف واقتتال وما نتج عنه من اضطراب وعدم استقرار، بل بادر مبكرا، وقد علمته خبرة السنوات كيف يكسب الرهانات، الى الوقوف بكل جرأة ومسؤولية في وجه هذه الظاهرة الخطيرة، بالعمل على احياء ثقافة الاجتهاد والتفتح والوسطية والتسامح والتواصل مع الاخر ونبذ كل اشكال الانغلاق والغلو والتزمت وكل مظاهر التوظيف للدين، منبها المجتمع الدولي الى المخاطر المدمرة لهذه الظاهرة، داعيا الى توحيد الجهود لمحاصرتها والعمل على القضاء عليها لضمان الامن والاستقرار للجميع. كما تختص الحركة الاصلاحية للسابع من نوفمبر بالواقعية في التقييم وفي استنباط الحلول ووضع البرامج والمخططات، وعدم التحليق في الخيالات والتمسك بالاوهام، ورفع الشعارات التي لا تعكس حقيقة الظروف والاوضاع ولا تترجم بصدق الواقع والامكانيات. لذلك فان هذه الحركة بالرغم من سعيها الدؤوب الى تلمس سبل الافضل وتوقها اللامحدود الى الاحسن والامثل جاءت متدرجة في الاصلاح والتصحيح في مختلف المجالات وسائر القطاعات، جامعة بوعي تام بين مطالب الذات ومقتضيات التفاعل مع سائر الثقافات والحضارات والديانات، اذ لم ينسها تعلقها القوي بالحداثة وعملها الجاد من اجل تكريس التقدم والاخذ بأسباب الرقي والتطور ومسايرة العالم المتحضر تمسكها بالثوابت والتزامها بمقومات الشخصية الوطنية ومرتكزات الهوية المجتمعية. لقد اراد صانع التغيير ان يكون الشعور بالانتماء لا يعني الشعور بالاحتماء فحسب فيؤدي الى الانكماش والانزواء، بل اراده وعيا بالمسؤولية في الاسهام في رسالة الفعل والبناء وفي مسيرة الرخاء والنماء، لذلك ما انفك يؤكد على ان الانخراط في العولمة لا يعني التفسخ والذوبان، كما ان التمسك بالخصوصية لا يعني التقوقع والانغلاق على الذات، مبادرا منذ بواكير التغيير الى اصلاح تربوي عميق وشامل يرتكن الى دستور البلاد وبيان السابع من نوفمبر والميثاق الوطني والاعلان العالمي لحقوق الانسان، قصد ضمان نحت ملامح المواطن التونسي المعتز بانتمائه الى وطنه المتجذر في اصالته، المنخرط في عصره المتفتح على محيطه، المسهم الفاعل في مسيرة مجتمعه لتحقيق اماله وطموحاته. ويبدو البعد الانساني خاصية بارزة ولافتة في المشروع الحضاري الذي بشرت به حركة التغيير المبارك، حيث آمن صاحب هذا المشروع بالانسان وسيلة للتنمية وغاية لها في آن، وادرك بكل وثوق بأنه اثمن رأس مال وابرز شرط لدفع المسيرة التنموية الى الامام، لذلك اولاه منذ اللحظة الاولى مكانة محورية في اختياراته وتوجهاته، ونزله المنزلة التي يستحق في برامجه ومخططاته. وهو ما ترجمته مبادراته الانسانية المتفردة ومنجزاته وبرامجه الاجتماعية المتميزة التي اصبحت مضرب الامثال في الداخل والخارج ونماذج ناجحة ينسج على منوالها الاشقاء والاصدقاء مثل الصندوق الوطني للتضامن 2626 والصندوق الوطني للتشغيل 2121 والبنك التونسي للتضامن، ونحوها من الاليات المتفردة التي لقيت الاشادة والتنويه من التونسيين وغير التونسيين على حد السواء. واذ تجاوب الشعب التونسي بكل فئاته وشرائحه ومكوناته مع هذا المشروع الاصلاحي بكل تلقائية وشعور بالمسؤولية مما حقق لهم في العشرين سنة من التغيير نقلة نوعية في حياتهم اليومية، اصبحت مضرب الامثال في العالم وبوأت بلادهم مكانة مرموقة ومتميزة في المحافل الدولية، فانهم اليوم يتمسكون بصاحب هذا المشروع، سيادة الرئيس زين العابدين بن علي قائدا لمسيرتهم الموفقة، ملحين في دعوته الى الاستجاببة الى مناشدتهم له الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 كي يواصل برنامجه الاصلاحي التقدمي الرائد الذي بشر به فجر السابع من نوفمبر الخالد وعمل بكل تفان على انجاحه، وضحى في سبيله بالراحة ولذة العيش قانعا من الحياة بالكد والبذل والجهد والتعب. انه الوفاء لرجل الوفاء والعهد مع من عاهد فوفى. وانه العرفان بالجميل لمن ضحى من اجل الوطن المفدى.. وانها القناعة الكبرى بأنه الاجدر والاقدر على مواصلة القيادة نحو المزيد من المناعة والعلا. وعاشت تونس الحبيبة على الدوام حرة منيعة، متألقة مزدهرة، آمنة مستقرة. (*) رئيس المجلس الإسلامي الأعلى