عمار عبيدي الكثير من المظاهرات، الاعتصامات... والمزيد من الغضب الثوري ميّز المشهد التونسي وزرع الخوف في كافة الاتجاهات، خوف على الثورة وخوف على الأنفس مهابة الدخول في مستنقع عنف وفوضى. وحالة أخرى انطلقت بانتفاضة مضادة لطوفان الرفض ضد الحكومة وهي لا تزال في مهدها، حتى بتنا نشهد مظاهرتين متناقضتين واحدة تدعم الحكومة وأخرى ضدها تسيران جنبا إلى جنب في ذات الشارع... بل المشهد المماثل والأوسع نطاقا هو ذلك الذي نتحسسه في كل الأماكن إدارات كانت أو مؤسسات عمومية وحتى خاصة، حيث تكمن انتفاضات أخرى «مصغّرة»... كلها فسيفساء قد تعني للبعض فوضى لا مبرر لها لكن الكثيرين يعتبرون ذلك حالة طبيعية بل صحية إذا لم تتطور الى عنف. المجتمع التونسي الذي اختزن على مدى عقود طويلة شحنات من القهر والظلم لا يمكن أن نجبره اليوم على أن يتجرع ترياق الحكومة المؤقتة ولا ينبس ببنت شفة... ليست حالة ضعف هذه التي نشاهدها اليوم في بلادنا هذا ما أكد عليه ملاحظون وفي مقدمتهم الدكتور عياض بن عاشور منذ البداية، «الورم» المزروع في تونس متشعب واستئصاله يتطلب الكثير من التفاعلات، بل يتطلب النبش في كل مواطن الفساد. ربّما في هذه المرحلة من الثورة تولى جانب مهم من المواطنين محاسبة المسؤولين على الفساد، وهذا قد يجعل من هاجس دكتاتورية الشعب يخيم على الوضع في كامل الدولة، لكن ذلك ينتهي عند عدة مؤشرات أولها حالة الوعي التي رافقت ثورة هذا الشعب والتي وضعت الحدود لكل التخمينات والتشكيك في نجاح مسعى التحرر الذي سلكه الجميع في تونس منذ اندلاع الشرارة الأولى.. ثاني هذه المؤشرات حالة الوعي لدى الجيش أيضا وحرصه على نجاح الانعتاق التونسي من قيود الدكتاتورية. ثالث هذه المؤشرات هو فشل المحاولات الخارجية في الولوج إلى صفوف الثائرين ويتجلى ذلك من خلال الشعارات التي رفعت في المظاهرات والمنادية بعدم تدخل الأجنبي في شؤون تونس.. كلها عوامل ستمنع بالتأكيد من تأثيرات سلبية محتملة للهزات الارتدادية للثورة التونسية لكن هذا لا يمنع من رجّات خفيفة قد تضايق البعض...