تذهب الكثير من أراء العارفين والمطلعين على الشأن السياسي أن غياب الضمانات الكافية لارساء دولة القانون والمؤسسات بصفة فعلية وليس مجرّد شعار يرفع في المحافل الدولية بموجب او بدونه والذي أثبتت ثورة الشعب أنها مجرّد دعاية اعلامية هو تبشير دائما بحكم دكتاتوري فالضمان الوحيد للديموقراطية والتعددية هو القوانين التي تكفل مؤسسات مستقلة وفعّالة ..وقد تفطّن الرئيس السابق الى أهمية تحصين نفسه ايجابيا بترسانة قوانين تطلق يده فيما شاء له. ولتسليط الضوء على هذه المسألة اتصلت الاسبوعي بالأستاذّ ابراهيم بودربالة الرئيس السابق للفرع الجهوي للمحامين بتونس الذي حاول رصد جلّ القوانين الجائرة والمتعسّفة التي خدمت بن علي دون غيره..وكانت كالسيف المسلول على اعناق خصومه بل لم يكتف بالقانون وأبدع فيه سلبيا من خلال ارسائه اجراءات قمعية انتقامية مثل المراقبة الادارية لسجناء الرأي ما بعد العقوبة السجنية التي نكّلت ببعضهم أكثر من سنوات السجن نفسها.. الداخلية ترخص في الحقوق من بين القوانين الجائرة التي كبّلت الحريات وكمّمت الأفواه نجد قوانين دستورية على غرار الفصل 41 وحصانته الجائرة الممنوحة للرئيس السابق والتي قد تعيق حاليا تتبعه لجرائمه ضد الانسانية وفي حق الشعب التونسي و نجد كذلك زخم الاوامر الرئاسية والتراتيب التي تبيح له مطلق الحرية في التصرّف وهي كلّها نصوص من شأنها أن تكبّل الحريات الفردية والعامة مثل القوانين المنظمة للأحزاب والجمعيات وخاصة الجمعيات حيث أن سيف الترخيص من وزارة الداخلية يبقى مسلولا لاقصائها في اطار «قانوني» ففي بلدان أخرى مثل فرنسا ينطلق أي حزب او أي جمعية في النشاط مباشرة فقط بعد ادلاء بتصريح وجود للسلطة الادارية الجهوية أي الولاية واذا كانت هذه الجمعية أو هذا الحزب يأخذ منحة من الدولة فان التصريح بالنشاط يقدّم لدائرة المحاسبات حتى تراقب طريقة صرف الأموال الممنوحة. وفي تونس يكون حق التظاهر بترخيص من وزارة الداخلية عكس ما هو معمول به في باقي الدول الذي يكون بمجرد اعلام وليس بترخيص والصحافة كذلك في تونس. وحرية التعبير فهي الاخرى تتطلّب تراخيص مسبقة ومراقبة مباشرة ومراقبة غير مباشرة...كذلك لا ننسى وخاصّة في ظلّ ما وجّة للرئيس المخلوع من تهم تتعلقّ بنقل عقارات ومنقولات خارج البلاد واخراج عملة فهذا كله كان مبرّرا باعتبار أن الرئيس كان له ودون كل رؤساء العالم حصانة ديوانية تمكنه بمقتضاها هو وعائلته استغلالها وخرق بذلك القوانين الديوانية ...فالقانون يمنع تطبيقه على بن علي وعائلته. المراقبة الادارية يقول الأستاذ بودربالة إن المراقبة الادارية هي من العقوبات التكميلية المعمول بها في المجّلة الجزائية كالمنع من الاقامة في ولاية معينة وهي عقوبات معمول بها بالنسبة لجرائم الحق العام الخطيرة غير أن النظام السابق وظّفها للاقتصاص من سجناء الرأي العام لمدد تفوق مدة عقوباتهم الأصلية وهنا تتحوّل المراقبة الادارية من قرار قضائي تحفّظي من المفترض أن يكون صادرا عن السلطة الداخلية الى قرار اداري تعسّفي وفيه الكثير من المعاناة وصادر عن وزارة الداخلية للانتقام والتنكيل بالخصوم.