ملايين المتظاهرين بين تونسيين ومصريين انتفضوا على الاستبداد والاسترقاق وعلى سياسة قمع وقهر مأتاها حكام جثموا على الصدور لسنوات...حكام ملّتهم شعوبهم وهم لم يملوا بريق السلطة وإغراءات الكرسي... اندفعوا إلى الشوارع زادهم حزمة من اللاءات وزوّادهم شعارات، بعضها ارتجالي أطلقته فورات الغضب وبعضها الآخر مستوحى مما تيسّر من أغان وأبيات شعر تعكس صدق الداعي وتكشف زيف المعتدي... شعارات هدرت بها الحناجر التونسية من بنزرت إلى برج الخضراء ورفعتها المصرية في طول " أم الدنيا" وعرضها تغص بالحرقة وتعكس متطلبات الشعبين... هي كلمات بسيطة لكنها تختصر ببلاغة المشهد الثوري وهي على بساطتها مثقلة بجراح سنوات القهر والإذلال والقمع ولكنها لا تخلو رغم اصطباغها بطعم العلقم والغل من الدعابة أحيانا.. وإذا كان التونسيون استلهموا شعاراتهم من وحي ما عانوه من غطرسة "آل بن علي" وأصهاره الطرابلسية إلا أن روح شاعر تونس الخالد أبي القاسم الشابي رفرفت على الخضراء طوال أيام الثورة فكان النشيد الوطني سيد المكان وكانت "حماة الحمى" سيدة الموقف وملهمة الثوار.. كما حضرت كلمة "انقلع" dégage وبقوة ليلة سقوط ساكن القصر وكانت هي و"الشعب يريد إسقاط النظام" كلمتي السر اللتين طارتا وحلقتا وحطتا بعد أيام في ميدان التحرير المصري ليتبناها اخواننا المضطهدون في أرض الفراعنة.. بعض الشعارات حصدت نجومية كبيرة أيام ثورتنا العظيمة لعل أشهرها " التشغيل استحقاق، يا عصابة السراق" "تونس حرة حرة، بن علي على برَّه" "خبز وماء، وبن علي لا"، "أوفياء أوفياء، لدماء الشهداء"، "الشهيد الشهيد، على المبادئ لا نحيد". مصر بلد الفن ومنبع الإبداع وصانعة نجوم الكوميديا تعيش منذ ما يزيد عن الأسبوع على وقع ثورة شعبية مازالت تناضل من أجل اقتلاع فرعون من كرسيّه ورغم الألم وفظاعة المشهد الذي لم يتحدّد بعد أين مسيره فقد كانت شعارات ثواره المرفوعة لا تخلو - رغم صعوبة الوضع - من دعابة تؤكد قدرة أشقائنا في مصر على الإبداع... لم يشأ إخواننا هناك أن تمر هذه الثورة دون استحضار للرموز الفنية التي أنجبتها أرض النيل أحضروا العندليب الأسمر ووظفوا إحدى أشهر أغانيه الوطنية فاندفعت حناجرهم مدوية ب"احلف بسماها وبترابها..الحزب الحاكم الي خربها" وحضر موسيقار الجيلين ب" أخي جاوز الظالمون المدى" وكوكب الشرق ب"للصبر حدود" ونجاة الصغيرة ب" أسألك الرحيل"... وامتدت الشعارات والتحمت بالمطلب الأوحد الذي اجتمعت من أجله الملايين وهو تنحي مبارك وحكومته عن سدة السلطة فكانت "يا مبارك..يا مبارك السعودية في انتظارك".. "ارحل يا جمال مع بابا " و"يا جمال قل لابوك الشعب المصري بيكرهوك" و"يا سليمان يا سليمان مش عايزينك إنت كمان" شعارات رفعت هنا وأخرى مازالت مرفوعة في ميدان التحرير وفي سواه من أرض مصر.. الأولى سقط بعدها نظام بن علي سقوطا مدويا والثانية مازالت تصر على حقها في البقاء رغم أن المعنيّ بها ملح على انتهاج سياسة "أذن من حديد وأخرى من عتيد".