بقلم: حياة السايب انتفض الشعب التونسي فحقق النصر وخلع النظام الجائر ثم انتفض الشعب المصري ونجح في التخلص من الطاغية واليوم يثور الشعب الليبي وتسيل من دمائه أنهارا لأن الحاكم بأمره الليبي يعتبر أنه أقوى من الطغاة الذين سقطوا قبله ولا ينوي أن يلقى نفس المصير دون أن يجعل الشعب الليبي يدفع الثمن باهضا جدا لكن الشعب الليبي الذي تحمل الظلم لعقود يستبسل في الدفاع عن حقه في الحرية والكرامة ويتلقى الضرب بصدور عارية مثيرا الإعجاب حتى وإن كانت المشاهد التي تفلت من التعتيم الإعلامي الذي ضربه الطاغية على الشعب منذ بداية الثورة كي يمارس فنون القتل ضد شعبه الأعزل بعيدا عن الأنظار تصيب بالإغماء وبالغثيان. والحاكم الليبي بأمره وإن كان يتصور أنه أذكى من زمرة الحكام العرب الذين سبقوه في السقوط لأنه يتفنن أكثر منهم في البطش والقتل معتقدا أنه بذلك يعاقب الشعب الذي خرج عن طوعه ويثنيه عن عزمه ليس إلا أحد الوجوه لعملة واحدة يمثلها هؤلاء الحكام الطغاة الذين تجردوا من كل قيمة إنسانية وركنوا ضمائرهم في الرفوف بالخزائن إلى جانب الأموال المسروقة. فبقدر ما تقدم الشعوب العربية هذه الأيام صورة مشرقة عن نفسها من خلال انتفاضتها ضد الظلم والغطرسة ومطالباتها السلمية بالديمقراطية بقدر ما نخجل من فيلق الحكام العرب الذين مازالوا يتعاملون مع العالم والتاريخ بعقلية العصور الوسطى. مخجل والله تمسك الحكام العرب بالكراسي ومنهم من بقي على كرسيه أكثر من أربعين سنة حتى تعبت منهم الكراسي وحتى أصابهم الوهن وصاروا غير قادرين حتى على تحريك أجسادهم الثقيلة بالشحوم وبدماء الشعوب التي امتصوها بلا حرج. مخجلة والله صورة الحاكم الليبي بأمره الذي لفظه شعبه وسئم كذبه وانتفض ضد غطرسته فإذا به يواجه الشّعب الأعزل بالدبابات والطائرات الحربية فراح يقتل بالمئات, بل بالآلاف في حركة مجنونة تنم عن غياب كامل للعقل والحكمة. مخجلة صورة الحاكم بأمره الليبي وهو يستعرض عضلاته على الشعب معولا على المرتزقة وعلى أولاده ممن تربوا على نفس المدرسة, مدرسة الغطرسة والديكتاتورية. مخجلة صورة الحاكم بأمره الليبي وهو يرتكب مذبحة حيثما حل ويترك بحيرات الدماء دالة على الجريمة من أجل البقاء في كرسيه حتى ولو تطلب ذلك إبادة شعب بالكامل ومخجلة صورته وشعبه يستغيث طالبا الإنصاف من حاكم طاغية يستفرد به ويوجه ضده ترسانته الفتاكة. لقد زالت الأقنعة واكتشفت الشعوب العربية أنها لم تكن فقط تقاد بالحديد والنار وإنما سلمت أقدارها بين أيدي أناس مستعدة للتحالف مع الشيطان للحفاظ على السلطة. الحاكم الليبي بأمره الذي كان يموه على الناس لعقود مدع أنه قائد الثورة وبأنه مناصر الحركات الثورية في العالم تخلى عن قناعه دفعة واحدة وكشف عن وحشية لا مثيل لها وهو ليس استثناء في المنطقة العربية وفي كل المناطق التي ترزح تحت الديكتاتورية ولكن تيار الحرية والكرامة الذي بدأ في تونس ومر بمصر سيجر في سيوله الديكتاتورية أينما كانت حتى وإن صمد الطغاة وتخفوا في حصونهم إلى حين.