في إطار انفتاح الشركة التونسية للكهرباء والغاز على مجتمع المعرفة ودعم وترسيخ الاهتمامات الثقافية داخلها ومساهمة منها فيما عاشته تونس مؤخرا من احتفالات بمناسبة الذكرى العشرين للتحول، تم مؤخرا تنظيم سهرة مسرحية احياها الفنان والمسرحي الكبير كمال التواتي بمسرحية من النوع الوان مان شو عنوانها "احنا هكة".. مصفق الجمهور الذي غصت به القاعة الشبيهة جدا بمسرح توفر على أغلب ما يحتاجه العرض إذ انجزت في إطار ما توليه الإدارة العامة للشركة من اهتمام بالثقافة والمثقفين ...هذا التصفيق وإن كان من حق الفنان القدير والمبدع الحائز على الإجماع، بحيث يعسر ان نجد في ساحتنا من لا يشهد له بالكفاءة او من ينكر عليه مساهمته الفاعلة في أعمال مسرحية هامة والتي اعتبر بعضها مرجعيا في مسيرة المسرح التونسي كان في الحقيقة للدكتور"سليمان الأبيض"بطل مسلسل "شوفلي حل "الذي عرض منه الى حد رمضان الماضي 90 حلقة اعجب فيها مشاهدو القناة 7 بالشخصية وتفاعلوا معها وأحسوا بقربها منهم وبتطابق اهتماماتها مع مشاغلهم الى ان بدأ عرض «أحنا هكة» وانخرط الجمهور في نوبات من الضحك. نص المسرحية كان سهلا بسيطا ولكنه ذاك السهل الممتنع، الذي ينقل بعين الناقد مواقف ووضعيات قد يراها البعض أو يعيشونها ولكنهم لا يتفطنون الى انها تجعل منهم أبطالا او حالات اجتماعية بائسة. والحقيقة ان مثل هذه الكتابة لا يمكن ان تستعصي على رجل له تجارب بالحجم الذي تيسرلكمال التواتي أحد أهم شخصيات المسرح المثلث والشخصية المحورية لمسرحيات الفاضل الجعايبي كمسرحيات العوادة وكوميديا وفاميليا واحد ابطال سلسلة «كلام الليل» التي لازم فيها مبدعون من جحم الممثل القدير رؤوف بن عمر ومحمود الأرنؤوط وتوفيق الجبالي. نفاذ الى عمق الحالات الإنسانية ف «سي بشير» بطل الوان مان شوهو رجل بسيط ما زال أعزبا يقضي أيامه وليالية في خدمة عائلته المتكونة من والدته واخته المتزوجة والحبلى، يجد نفسه في احدى اليالي مجبورا على تلبية دعوة لحضور حفل معهما فينطلق بهما في سيارته وفي الطريق الى هناك تنطلق مغامراته التي يرويها باسلوب شيق يمكّن المتلقي من النفاذ الى عمق الحدث عبر نوافذ يفتحها صغيرة .. صغيرة.. ولكنها تتسع مع توغله في السرد او الوصف الى ان تبتلع المتفرج ويصبح دون وعي منه طرفا في الحكاية أو أحد ابطالها.. لقد قفز كمال التواتي في عمله المسرحي هذا من وضعية انسانية الى اخرى وتسلل من حدث إجتماعي الى آخر وعرج في طريقه على بعض الإشكاليات التي اصبحت تطرح على المواطن التونسي وعوض ان يبحث لها عن حل يرضى بها و يسايرها ويعتبرها خبزه اليومي الى ان ينغمس فيها ويبتلعه تيارها وينزل به الى الأعماق. وتمكن بكل وسائل التعبير التي أتيحت له وأهمها الحركة من تمرير المتعة الى المتفرجين وجعلهم يجرون و يقفزون بخفة وراءه.. بعضهم يضع موضع السؤال الحالات الإجتماعية التي يعريها والبعض الآخر يضحك لأنه جاء من أجل ان يضحك.. واكتفى بذلك وهو حر في ان يأخذ من العرض ما يريد وان يقف عند الحد الذي رسمه لنفسه أما الذين تجاوزوا الصور وولجوا الى ما وراء ما طرحه من افكار فقد وجدوا في هذه الحالات والوضعيات الإنسانية التي يعرضها كمال التواتي تأكيدا لمسار اختار ان يبحث فيه ماهية الإنسان في مجتمعه ودوره في الحياة . مارس قناعاته «وان مان شو» «احنا هكة» عبر خلاله كمال التواتى عن ذاته ومواقفه وقناعاته ومارس فيه اللغة المسرحية ،التي اتقنها وتعامل مع الجمهور المتلقي بالأسلوب الذي سمح له بان يتغلغل في الأعماق واجمل ما في العرض كانت دقائقه الأولى والتي عبر خلالها بالصمت التام بعد إذ اغلق فمه ب «مرضعة»، بقي يمتصها وهو يقوم بحركات وايحاءات فهمها الجمهور وتفاعل معها و هي حسب اعتقادنا ممارسة أخرى لإحدى قناعاته فكمال التواتي يولي أهمية لما تفعله الشخصية على الركح على حساب ما تقوله او تصرح به، لأن الصعوبة في ايصال العمل الى المتلقي، تكمن في كيفية نقل الممثل للنص وطريقة الأداء والتفاعل والتعبير عن مختلف الحالات التي تعيشعها الشخصية لا في النص في حد ذاته. فالنص ، قد يتغير وربما لا يرقى الى المستوى المطلوب ويمكن أن يكون بسيطا جدا، فيحوله ممثل بارع بأسلوبه الخاص في التمثيل وقدرته على التعبير بجسده وروحه الى عمل فني مقنع.