حياة السايب مازالت الأموال تتدفق على القذافي من مبيعات النفط. مازالت الأموال تتدفق عليه من عائدات النفط الليبي الذي يتحكم فيه وفق أهوائه. مازالت الدول المستوردة للنفط الليبي تدفع للقذافي وكأن الآلاف من الليبيين الذين سقطوا تحت وابل من نيران المدافع والدبابات والطائرات المقاتلة وغيرها من الأسلحة الثقيلة التي وجهها القذافي إلى شعبه الأعزل في سابقة أولى في العالم على ما يبدو ليست حجة كافية تجعلها تكف عن ضخ الأموال في شريان النظام القمعي الذي يقوده القذافي وأبناؤه. كم يكفي من شهيد وكم يكفي من ضحية وكم يكفي من مجزرة في حق الشعب الليبي الأعزل حتى تستقر الدول المستوردة للنفط والغربية منها بالخصوص على رأي بشأن إيقاف معاملاتها مع هذا النظام المستبد والمتخلف الذي مازال مصرا وقد تجاوزنا العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على أن الشعب الليبي ليس أمامه إلا الديكتاتورية أو الإبادة تحت نيران أسلحته الفتاكة. كم يكفي من مهجر وقد بلغوا مئات الآلاف هروبا من فتك الآلة العسكرية بليبيا مزودين بذلك آلام البشرية التي تعاني أصلا من كثرة اللاجئين والهاربين من بؤر العنف والإضطرابات في العالم ومنذرين بكوارث إنسانية إذا ما استمر تدفق المهجرين من ليبيا بشكل كبير خاصة وأن الفارين بجلدهم من التراب الليبي أغلبهم من العمال الباحثين عن لقمة العيش وهو ما يهدد بزيادة في حجم البطالة في العالم وفي نسبة الفقر.
حياكة المؤامرة
كيف يتاح لحاكم مسعور أن يرتكب هذا العدد المذهل من الجرائم من تقتيل وحرق للجثث وقصف جوي للمدنيين منذ أن قامت الثورة في ليبيا تطالب بتغيير النظام الظالم وتعيد للشعب حقه في ممارسة سيادته بعد أن سلبه العقيد القذافي الحرية والكرامة لأكثر من أربعين عاما والعالم مازال يعتبره مخاطبا رسميا. ترتفع الأصوات لتطويق القذافي وعزله سياسيا ولكن في غياب قرارات مهمة مصاحبة للعملية السياسية على غرار قرار أممي بالحظر الجوي مثلا إلى جانب قطع السبيل أمام القذافي وأرصدته المالية وخطوة جدية تجاه الدول الإفريقية التي يثبت أنها تزود النظام الليبي بالمرتزقة، في غياب ذلك يخشى أن تقف البشرية على حقائق قد تجعلها تندم على التخلي عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية في وقت ما كان ينبغي لها أن تتعطل فيه حركتها. ما حدث إلى حد اليوم بليبيا كارثي فما بالك إذا ما تواصلت عربدة العقيد ومرتزقته. إنه ما دام القذافي يتحرك ولو في مساحة محدودة في العاصمة الليبية طرابلس وفق ما تنقله وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية الفضائية ومادام بإمكانه أن يتواصل مع كتائبه الأمنية ومرتزقته وأولاده الذين يشاركونه استبداده فإن حجم الجرائم ضد المدنيين الليبيين قد يكون أكبر مما يتوقعه أكثر الناس تشاؤما.
أي ثمن لدم العرب ؟
صرنا نتساءل حقا هل أن الدول الكبرى يشغلها حقا سقوط مزيد من الضحايا الليبيين وصرنا نتساءل إن كانت الولاياتالمتحدة وأوروبا التي كانت تستقبل الحكام العرب رغم ما تعرفه عنهم من قمع وظلم يهمها حقا مصير الشعوب العربية. ضعيفة جدا تلك الحجج التي كانت تستعمل لتبرير الدعم الغربي للأنظمة الديكتاتورية بالمنطقة العربية. حجج تتعلق عادة بفرضية انتصاب أنظمة إسلامية تعوض الأنظمة الديكتاتورية وقد باتت مردودة على أصحابها لأن الشعوب العربية قدمت الدليل بالحجة والبرهان بداية من الثورة الشعبية بتونس ومرورا بالثورة المصرية ووصولا إلى الثورة الليبية على أنها تنادي بالديمقراطية. إن الثورات التي يشهدها العالم العربي اليوم وهي مرشحة للزيادة تبين أن العرب ليسوا أقل انتصارا للديمقراطية من غيرهم من شعوب العالم المتحضر. إن الشعوب العربية وهي تطيح بالأنظمة الفاسدة الواحد تلو الآخر وسط ذهول كل من راهن على ضعف الشعوب العربية وعلى عدم قدرتها على زعزعة الأنظمة القائمة وعلى أنها في أغلب الحالات تنتفض دون أن تجني شيئا وفق ما كان يروج لدى الغرب جعلت الحقيقة ترتد أمام قادة العالم الديمقراطي لتجعلهم شركاء في المؤامرة، مؤامرة مصادرة حق الشعوب العربية في الحرية والكرامة تحت تعلة الخوف من الإسلاميين أو مما يسمى بالتطرف الديني. مهزلة ذلك الصمت على جرائم القذافي ومقرف ذلك التظاهر بالتحرك من أجل إيقاف حمام الدم والعشرات من الليبيين يسقطون يوميا أغلبهم من المدنيين وفق ما تتفق عليه التقارير الإخبارية. مازال الغرب يعتقد أن الدم العربي أرخص من دماء الآخرين لكن الحقيقة على الميدان تتغير. العرب سيقررون قريبا حقيقة وزنهم وقيمة كل قطرة دم تنزف من أجسادهم ولو كره الكارهون.