مجموعة من أعضاء السلك الدبلوماسي انسجاما مع ما أوردناه في مقالنا السابق الصادر بجريدة الصباح بتاريخ 29/01/2011 تحت عنوان دبلوماسية الشعب في خدمة الشعب من بعض التوضيحات حول حجم المظالم والمعاناة التي تكبدتها الدبلوماسية التونسية في عهد الرئيس المخلوع، وفي السياق نفسه وعلى إثر الإعلان عن تعيين السيد خميس الشماري سفيرا مندوبا دائما لتونس لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو- ، نتوجه بهذه الإرسالية القصيرة إلى من يهمه الأمر للتعبير عمّا يجول اليوم بخاطر الدبلوماسيين التونسيين من تساؤلات واستفهامات حول أسباب ودلالات هذا التعيين. ونود في البداية التوضيح بأن هدفنا من هذا المقال ليس التحامل على شخص السيد خميس الشماري، هذه الشخصية الحقوقية المناضلة المرتبطة بأبرز محطات مسيرة حركة حقوق الإنسان في تونس أو الدخول في تفاصيل ما يثيره رفاقه وإخوانه وأصدقائه من جدل حول مواقفه وتحركاته إزاء مختلف هذه المحطات، لكننا أردنا فقط لفت الانتباه إلى ما بدا مؤشرا لأشياء، منينا النفس بأن لا تتكرر بعد 14 جانفي. فقد استبشرنا منذ فترة بقرار السيد وزير الشؤون الخارجية إنهاء مهام جميع رؤساء بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية من خارج السلك والتي اعتبرت خطوة هامة أعادت الاعتبار للدبلوماسية والأمل للدبلوماسيين وثقة الشعب التونسي في وطنية وحرفية من سيعهد له مستقبلا مسؤولية الدفاع والذود عن مصالحه والإسهام في تحقيق مبادئ ثورته المجيدة. أماّ وبعد هذا التعيين وفي ضوء الشغور الذي جدّ على مستوى رئاسة العديد من البعثات الدبلوماسية والقنصلية واعتزام وزارة الشؤون الخارجية، على ما يبدو، سدّ هذا الشغور في الفترة المقبلة، يجدر التساؤل عمّا إذا كانت مندوبيتنا الدائمة لدى اليونيسكو تعد من أوكد الاستحقاقات التي تفرض في هذا الظرف وبهذه السرعة تعيين سفيرا. ثم، هل أنه وبعد البحث والتمحيص، لم يتسنى العثور بوزارة الشؤون الخارجية على العصفور النادر الذي تتوفر فيه مواصفات شغل هذا المنصب حتى يتم اللجوء للبحث عنه من خارج السلك. وحتى لا يفهم ما تقدم بأنه تعصب لأهل المهنة والاختصاص، وإن كان ذلك مشروعا، يمكن التطرق لما هو معمول به في عدد قليل ومحدود من دول العالم حول تخصيص نسبة لا تتجاوز الخمس بالمائة من المناصب الدبلوماسية لفائدة شخصيات من خارج السلك يختارها رئيس الجمهورية المنتخب لدواعي سياسية لنتسائل في هذا الصدد وفي حالنا هذه عن الدواعي السياسية للرئيس المؤقت في اختيار شخصية لهذه الخطة من خارج السلك، نكن لها بكلّ صدق الاحترام والتقدير على أنّه وبكلّ موضوعية لا نرى في مواصفاتها ما يؤهلها لشغلها، على الرغم من أنّ هذه المؤهلات قد تتيح له حسب اعتقادنا شغل مناصب سياسية أكبر وأهم. فما يجب أن يعلمه الجميع أنّ طبيعة العمل بمنظمة اليونيسكو تندرج ضمن ما يعرف بالدبلوماسية متعددة الأطراف، وهي اختصاص وحرفة لها تقنياتها وأدواتها ووسائلها الخاصة التي يتدرب عليها الديبلوماسيون ويمارسونها مراوحة بين الإدارة المركزية وبعثاتنا المعنية بهذا النوع من النشاط الدبلوماسي على غرار مندوبياتنا بجينيف ونيويورك وجامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي...والتي تراكم لهم بعد سنوات طويلة حدا أدنى من التجربة تخول لهم الاضطلاع بمسؤولية تسيير هذا النوع من البعثات وتجعلهم بدون منازع الأقدر على خدمة الوطن في هذا المجال. ولعل هذا ما يؤكده انتماء الغالبية المطلقة من مندوبي دول العالم لدى اليونيسكو إلى السلك الدبلوماسي، دون أن نغفل على الإشارة في هذا الصدد أيضا إلى أن الإدارة العامة للمنظمة ذاتها تشغلها حاليا سفيرة سابقة من السلك الدبلوماسي البلغاري. هذا إلى جانب ما يعرفه صاحب القرار وما يمكن أن يؤكده عدد من رجال الثقافة والفكر التونسيين الذين دأبوا على المشاركة في فعاليات هذه المنظمة وغيرها من نشاطات المنظمات متعددة الأطراف الأخرى حول الدور الكبير الذي يضطلع به الدبلوماسيون التونسيون في خدمة تونس في هذا المجال والنابع، إلى جانب وطنيتهم، من حرفيتهم وتجربتهم المهنية الطويلة في هذا الاختصاص. فمن هذا المنطلق وفي ضوء قراءة هذا التعيين الذي يبدو أنه يتراوح بين منطقي المكافئة والدواعي الإنسانية التي لها مجالاتها وصيغها وأطرها غير الدبلوماسية، وفي انتظار أن يغادر لقمان الدار، نرى أنّ الساحة السياسية والحقوقية الوطنية في تونس تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى السيد خميس الشماري ولغيرهم من الحقوقيين الوطنيين الذين بدأ يؤرقنا جمر انتظار عدد من سفاراتنا لهم، ولتجربتهم الحقوقية الطويلة التي ولئن تركزت سابقا على تناقض قائم مع السلطة، فإنها اليوم وبعد رحيل هذه الأخيرة ، فتحت أمامها آفاق رحبة ستتيح لها المساهمة بأسلوب جديد في إرساء ونشر ثقافة حقوقية تتماشى وطبيعة المرحلة التي تعيشها بلادنا.