بقلم: ثامر الزغلامي في فترات الازمات السياسية يصبح الاعلام كانه مؤامرة ضد قدرة المتلقي على الفهم. ومرد هذا الشعور بالمؤامرة هو تحول الازمة بين الفرقاء السياسيين الى ازمة بين الاعلام والمتلقي الذي يشعر بخيوط مؤامرة تحاك ضده ليس من قبل السياسيين بل من قبل الاعلاميين. وهذا خطأ في الادراك... والخطأ في الادراك نتيجة حتمية لممارسة اعلامية خاطئة. سنتحدث بالتالي عن علاقة الاعلام بالسياسة انطلاقا من الممارسة الاعلامية في الجهاز السمعي- البصري من خلال التجربة التونسية بعد الثورة وسقوط النظام والتي افرزت مادة اعلامية اتجهت صعودا ونزولا في سلم العمل الصحفي المهني وتركت الى حد الآن فهما مشوشا لدى الراي العام حول الساحة السياسية التونسية. لقد كانت الثورة التونسية لحظة فارقة في تاريخ الاعلام التونسي حيث وجد الاعلاميون انفسهم فجأة في مواجهة طوفان حافل بالتناقضات السياسية ممثلا في اطياف متباينة وغير معروفة مسبقا من حيث الافكار والاشخاص , هذه الاطياف تدافعت لاستثمار الفضاء الحر فملأت الدنيا وشغلت الناس دون ان تحدث الاثرالايجابي المطلوب لدى المتلقي لادراك طبيعة المشهد السياسي ومكوناته. ومسؤولية عدم الفهم تعود الى فشل الاعلام في تبويب وتفكيك المادة السياسية المكثفة وضبطها وتوظيفها لرفع منسوب الوعي السياسي لدى العامة. وهذه الحالة اذا تواصلت ستضعف المشاركة السياسية في المستقبل وستؤدي الى تقليص الاقبال على مختلف الفعاليات في هذا المجال وخاصة منها الانتخابات التي تعد نسبة المشاركة فيها مقياسا نزيها لمستوى الوعي السياسي في الانظمة الديموقراطية. هذا الانفلات لم تنجح الساحة الاعلامية الوطنية في السيطرة عليه وتقديمه في شكل رسالة اعلامية تتوفر فيها شروط الحرفية والحياد. ويعود ذلك لطبيعة الخطاب السياسي الذي يستدعي اداء اعلاميا قادرا على التعامل مع مضمونه بمهنية عالية وفق خلفية سياسية وثقافية تقف على نفس المسافة من كل الاطراف. ويعرف الخطاب السياسي على انه تركيب من المفردات موجه الى المتلقي بقصد التاثير فيه واقناعه بافكار سياسية ويختص هذا الخطاب في علاقته بالاعلام بانه خطاب ماكر اي لا يقول الحقيقة او يخفي جانبا منها... وانه خطاب غير منضبط اي لا يلتزم بالموضوع ويحتكر الوقت... واحيانا هوخطاب منفلت اي يستعمل مفردات لا تحترم ادبيات الحوار. وتبرز هذه الخصائص بوضوح في ظل الازمات السياسية التي تمر بها المجتمعات حيث تلجأ النخب الى الاعلام لتمرير ارائها وابراز وجهات نظرها حول مجريات الاحداث السياسية بهدف صياغة رأي عام يتبنى أفكارها. ولم تنجح وسائل الاعلام السمعية البصرية في تونس الى حد الآن في ايجاد الصيغ الحرفية للتعامل مع هذا التدفق العالي للافكار ومع خصائص الخطاب السياسي فتحول انفلات النخب الى الصوت والصورة ووصل الى حد اعدام رئيس الوزراء المؤقت على الهواء والمطالبة بالانفصال عن الجمهورية وغيرها من الرسائل التي تحرض على العنف وتجرم الاخرين وتقيم محاكم تلفزية واذاعية بارتجالية وتشنج بمشاركة الاعلاميين الذين غابوا تماما عن التاثير في هذه الرسالة وهم المعنيون اصلا بمضمونها. المشهد يحتاج الى مقاربة جديدة تتطلب عملا علميا جادا يبدأ بالانتباه الى الخارطة السياسية في تونس بعد الثورة واستنباط مضامين اعلامية ترتقي الى مستوى انتظارات الجمهورالذي عاد الى وسائل الاعلام الوطنية بعد هجرة طويلة. وهي مضامين يفترض ان تراعي مقومات النظام الديموقراطي القائم على التعددية والعدالة. والمقاربة لن تنجح الا بتشخيص دقيق للمنظومة الاعلامية السمعية البصرية في البلاد التونسية واعادة انتاجها على مقاس مبادئ الثورة التي تؤكد على اعلام وطني حر ومسؤول.