لم نكن نتوقّع أن يأتي علينا زمن ويصبح فيه قرار أممي بالحظر الجوي فوق سماء ليبيا الدولة العربية الخيار الوحيد أمام العرب لإيقاف نزيف الدم الذي تسبب فيه العقيد معمّر القذافي لأنه في عرف القذافي إما البقاء في الحكم إلى أبد الآبدين أو فناء الشعب الليبي بالكامل. للأسف حبسنا أنفاسنا ليلة أول أمس عندما كنّا نتابع الحدث مباشرة على الفضائيات التلفزيونية, حبسنا أنفاسنا لحظات قبل أن يصدر القرار الفصل لأننا كنا نخشى أن لا يخرج عن اجتماع مجلس الأمن الذي انعقد في ساعات متأخّرة حسب التوقيت التونسي قرار يمكن أن يضع حدّا لعربدة القذافي وجنونه بليبيا . قرار يضع حدا لعربدة القذافي وجنونه الذي يمارسه بدعم من أولاده الذي يشكلون لوحدهم قبيلة كاملة ومرتزقته ضد شعب أعزل في حادثة ربما لم يسجل التاريخ لا القديم ولا الحديث مثلها. القذافي ومنذ أكثر من شهر يوجّه ترسانته العسكرية الضخمة بسلاح الأرض وسلاح الجوّ وسلاح البحر ضد شعبه وكأنّه يحارب قوّة عسكريّة قاهرة متسببا في سقوط آلاف القتلى والجرحى ومخلفا الحيرة والتساؤل ما إن كان سيسمح لهذا الرّجل الذي جعله الإصرار على البقاء في الحكم لا يتورّع عن ارتكاب المجازر الفظيعة في حق شعبه فضلا عن التهديد والترويع الذي يمارسه في إطار عملية إرهابية منظمة بمواصلة العربدة. لقد عجز الثّوار ورغم استبسالهم في مقاومة غطرسة القذافي وكتائبه الأمنيّة حتى وإن كلفهم ذلك عددا هائلا من القتلى عن ردّ مخطط القذافي لفرض نفسه ونظامه على الشعب الليبي ولو كان ذلك بالقوة ولو اضطره الأمر إلى إبادة الشعب. ما كنا نتمنى أن نضطر لمباركة قرار أممي يؤدي في كل الأحوال إلى التدخل في شؤون بلد عربي مستقل. كان من الممكن أن يتواصل الرّبيع, ربيع الحريّة الذي ابتسم في تونس ثم وجد امتدادا له بمصر, كان من الممكن أن يتواصل في ليبيا دون أن يكلفنا ذلك الحل القاسي والذي يتيح لقوى خارجية أن تستعمل آلتها العسكرية لتنفيذه لو أن العقيد الليبي فقه الرسالة التي بعث بها إليه شعبه. لقد كان ولازال حق التدخل في الدول الذي باتت الدول العظمى تحرص على أن يتم تحت مظلة الأممالمتحدة لتجنب السقوط في ما تعرضت له الولاياتالمتحدة أو الحلف الأطلسي من انتقادات خلال التدخلات السابقة ضد عدد من الأنظمة في العالم والتي تمت بالإستغناء عن الغطاء القانوني الذي توفّره المجموعة الدولية والإرتكاز على المسؤولية الأخلاقية التي تعتقد الدول العظمى أنها تتحملها بموجب مكانتها في العالم وقدرتها على التدخّل مصدرا للجدل. والحقيقة أن الخيط بين التدخّل الإنساني وبين الإستعمار رفيع جدا وهو ما يجعل الخوف قائما من انحراف كل عملية تدخّل في نطاق معين ولأهداف مضبوطة ولوقت محدد إلى استعمار جديد خاصة وأننا في المنطقة العربية والإسلامية خبرنا ويلات مثل هذه العمليات. ولكن وحده العقيد القذافي الذي أوصلنا إلى هذا الوضع. وحده القذافي يتحمل المسؤولية في تعريض استقلال بلد عربي إلى الخطر ووحده يتحمل المسؤولية في دفع العرب إلى المطالبة بالتدخل الأجنبي في ليبيا لأنه بجبروته وبجنونه وبطغيانه لم يعد يهدد شعبه فحسب وإنما بات خطرا على البلدان المجاورة وحتى على العالم. وحده القذافي الذي دفعنا لهذا الإختيار المرّ لأنه فضّل الدمار الكامل لليبيا على أن يتحرر الشعب من بأسه ومن جبروته ومن ديكتاتوريته وديكتاتورية أولاده. وحده القذّافي يتحمل المسؤولية في هذا القرار الأممي لأنه ببساطة أضعف من أن يتحمل الإقرار بالهزيمة وأضعف من أن يقرّ بأن شرعيته ( إن كانت له شرعية خارج منطق القوة ) أصبحت في خبر كان.