انطلق نقاش جديد في بداية الأسبوع الحالي، وبعد المصادقة على مشروع القانون المنظم لانتخابات المجلس التأسيسي، ليشمل مشروع وثيقة "الميثاق الجمهوري" الذي عرض على مختلف مكونات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وان أبدت أغلب الأحزاب المشاركة في مجلس الهيئة موافقتها من حيث المبدأ على صياغة مثل تلك الوثيقة، باستثناء حركة النهضة المتحفظة عليها وعلى "جدوى صياغتها" حسب ما جاء على لسان نور الدين البحيري أحد ممثليها في المجلس، فان عددا هاما من الأحزاب المعنية كغيرها بمرحلة الانتقال الديمقراطي ولكنها خارج الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة كان لها رأي في صياغة مثل تلك الوثيقة. وللتذكير فان الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة ضمت في بداية اشتغالها 12 حزبا، ثم وبمناسبة توسيع التمثيلية فيها انضاف إلى هذا العدد 3 أحزاب أخرى ليصبح 15 حزبا ممثلا، غير أن 39 حزبا بقت خارج الهيئة ولأسباب مختلفة، كان أهمها الرفض، أو عدم التشريك. فكيف تقبلت مختلف هذه الأحزاب هذه الوثيقة؟ وماهو موقفها منها؟ انخراط في المشروع وخلافا لعدد من المبادرات التي صدرت عن مستقلين، وعدد من منظمات المجتمع المدني، في ما يتعلق بصياغة وثيقة مواطنية تحفظ مكاسب الشعب التونسي وتدعم التحول الديمقراطي الذي تمر به البلاد اليوم، فان عددا من الأحزاب عبرت عن انخراطها للعمل على مثل هذا المشروع. وأكد البشير العبيدي ممثل الحزب الاشتراكي اليساري في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وأحد المساجين السابقين ضمن قضية الحوض المنجمي أن كل من هو معني بالتحول الديمقراطي في البلاد هو معني كذلك ب"العقد الجمهوري" فهو أحسن ضمانة لانتقال ديمقراطي للسلطة، يضمن التعددية ومبادئ حقوق الإنسان وأكد من ناحية أخرى أن حزبه كان منذ البداية أعلن عن مشروع "العقد الجمهوري". من ناحية أخرى أفاد عثمان بالحاج عمر الأمين العام لحركة البعث أن الحركة ورغم أنها لم تشارك في الهيئة، فقد صاغت وثيقة سميت ب"إعلان الثورة التونسية" وقد تضمنت بين بنودها الحفاظ على المكاسب التي حققها الشعب التونسي على امتداد عقود إضافة إلى التنصيص على الحريات العامة والحريات الخاصة واحترام حقوق الإنسان وأيضا الديمقراطية. واعتبر خالد الكريشي المتحدث الرسمي باسم حركة الشعب الوحدوية التقدمية، أن حزبه مبدئيا مع أي عمل توافقي يحول دون سيطرة أي طرف مع إيمان الحزب بضرورة تحوير هذا العقد وإضافة التنصيص على مناهضة الصهيونية وعلى أن تونس عربية وإسلامية وأنها جزء من الأمة العربية وشدد الكريشي من ناحية أخرى على أن حزبه موافق من حيث المبدأ على مثل هذا الميثاق. وان اختلفت الرؤى والمواقف، بين مختلف هذه الأطراف التي يختلف موقعها في المشهد السياسي، غير أنها تتفق في صياغة وثيقة تكون ميثاقا معنويا وأخلاقيا يكون منطلقا لعمل هذه الأحزاب وتأسيسا للتعددية والاختلاف، ولكن وفي المقابل فقد كان موقف عدد آخر من الأحزاب مختلفا عن هذا التوجه. رفض وخلافا لحركة النهضة التي تحفظت على صياغة وثيقة "الميثاق الجمهوري"، اعتبر مراد الرويسي الأمين العام للحركة الوطنية للعدالة والتنمية، التي تحصلت على تأشيرة العمل القانوني بعد أن تقدمت بمطلب الحصول على تأشيرة العمل القانوني في 22 جانفي 2011 أي بعد 6 أيام فقط من سقوط النظام السابق، أن الهيئة وقراراتها لا تلزم الحركة وقال الرويسي أنه "غير معترف بها خاصة أنها بنيت على مبدإ الإقصاء، وقد أقصت الحزب من أن يكون ممثلا بها"، وأضاف " الهيئة عليها أن لا تمارس الوصاية على أحد". معتبرا مشروع "الميثاق الجمهوري" وصاية على الأحزاب وعلى مختلف مكونات المشهد السياسي. وكان عياض بن عاشور رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أكد في حديث سابق خص به "الصباح" أن تمثيلية الأحزاب في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة يرتكز على معيارين: الأول هو مقاومة النظام الدكتاتوري السابق والثاني هو المشاركة والمساندة للثورة،وقال بن عاشور "الأحزاب التي شاركت ودعمت كلها موجودة وممثلة في صلب الهيئة". لا حياة لمن تنادي حسب المعطيات الأولية، فان "الميثاق الجمهوري" الذي شرع المجلس في نقاشه يوم الثلاثاء الفارط يهدف إلى وضع ميثاق تلتزم به الأحزاب لضمان احترام التعامل الديمقراطي فيما بينها ولضمان الشفافية ونزاهة العملية الانتخابية واحترام حقوق الإنسان وضبط طرق تعامل الأحزاب فيما بينها. ولم تشارك بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة 39 حزبا سياسيا لأسباب مختلفة، أغلبها من الأحزاب المتكونة حديثا بعد الثورة، أي التي لم يكن لها وجود قبل 14 جانفي، ولم تصدر مختلف هذه الأجسام السياسية مواقف واضحة من مشروع القانون المتعلق بانتخابات المجلس التأسيسي ولا من مشروع وثيقة "العقد الجمهوري". ومازال عدد من هذه الأحزاب السياسية الحديثة التكوين، تعمل على هيكلة نفسها وتتحسس الساحة السياسية ببطء شديد، حتى أن عددا منها ما زال لم يقدم نفسه لا للإعلام ولا للرأي العام، حتى أن البعض مازال لم يصنفها ضمن المشهد السياسي الجديد، ويؤكد على أن مردودها السياسي في هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ البلاد يرفع شعار .."لا حياة لمن تنادي".. وهو ما يطرح بدوره تساؤلات عدة حول خفوت أصوات هذه الهياكل، فهل تصح آراء الملاحظين الذين أكدوا أن التراكم الكمي المفاجئ لتكوين الأحزاب السياسية بعد الثورة لن يطول كثيرا، وأن هذه "الحزيبات" ستندثر قريبا؟ أم أن غياب مواقف عدد منها من قضايا مفصلية في البلاد هو دليل على عدم نضجها السياسي وغياب الخبرة لدى أغلب قيادييها؟