أثارت تغطية الفضائيات العربية والأجنبية الناطقة بالعربية للثورات الشعبية التي اشتعلت في أكثر من بلد عربي جدلا واسعا في أوساط المراقبين والمتابعين . فثمة من رأى في تغطية هذه القنوات تحريضا مختلقا مرتبطا بأجندات خارجية اجنبية واقليمية بينما ذهب آخرون إلى حد اعتبار هذا الإعلام المساهم الرئيسي في صناعة الثورة من خلال كسر جدار الخوف الذي إقامته الأنظمة الديكتاتورية لسنوات طويلة .. وبين هذا الرأي وذاك يبقى دورالإعلام ومدى حياديته ومنهجيته في هذه الظروف الاستثنائية التاريخية أكبرمثيرللجدل والتساؤلات التي حاولت « الأسبوعي» الاجابة عنها من خلال الاتصال بعدد من الإعلاميين في القنوات الفضائية العربية على غرارالإعلامي في قناة الحوار اللندنية صالح لزرق والإعلامي في قناة الحرة أكرم خزام ورئيس التحريرفي قناة المنار اللبنانية محمد قازان إلى جانب الاكاديمي المختص في مجال الصورة د. حاتم النقاطي وفيما يلي نص الحوارات:
أكرم خزام ( قناة الحرة) :المشهد الإعلامي العربي ينذر بالكارثة حذّر الاعلامي في قناة «الحرة» اكرم خزام من انسياق معظم القنوات العربية وراء الخط السياسي لهذه الدولة او تلك. ما يجعل الإعلام العربي يفقد مصداقيته. واضاف في حديث خص به « الاسبوعي « ان المشهد الإعلامي العربي ينذر بالكارثة نظرا لغياب المعلومات وإفساح المجال للتحريض الرخيص و القتل المتعمّد للموضوعية. يشار الى أن الإعلامي اكرم خزام كان من مؤسسي قناة الجزيرة سنة 1996 وعمل مشرفا عاما لقناة «روسيا اليوم» . كيف تنظرون الى تغطية الفضائيات العربية للثورات الشعبية وهل كانت بمستوى الحدث؟ -تصعب الاجابة بكل قطع عن تغطية القنوات العربية لما سمّي الثورات الشعبية في البلدان العربية. فالقنوات الإخبارية الرئيسية ولاول مرة منذ انطلاقتها تقفل الابواب على المهنية وتتجه صوب المشاركة المباشرة في صنع ما سمّي الثورات الشعبية او الوقوف بشكل قطعي ضدها. فعندما يتمّ استدعاء الشيخ يوسف القرضاوي في احدى القنوات الفضائية الشهيرة على الهواء بقصد اعلانه فتوى هدر دم العقيد القذافي فهذا يعني أنّ دولة هذه القناة قررت المشاركة في خلع القذافي عن الحكم علما انه كان ضيفها المفضل خلال السنوات المنصرمة وأعطي منذ أربعة اعوام الهواء لمدة ساعتين في نهاية ذلك العام لإعطاء رايه في اهم الاحداث السياسية التي حدثت آنذاك وتجدر الاشارة الى ان تلك القناة المعروفة وقفت في بداية التحركات المتمردة في ليبيا موقفا لامباليا ثم انتقلت فجاة بعد ثلاثة ايام من التمرد إلى الانقضاض على القذافي. وصار الهم الأساسي لتلك القناة الترويج لما سمته الثورة الشعبية لدرجة ان يتم قطع الاتصال مع الضيوف الذين لا يوافقون على راي القناة. قناة اخبارية اخرى وقفت موقف المتفرج واحيانا المهاجم لتمرد الشباب المصري ضد نظام الرئيس المصري السابق واستمرت في هذا النهج الى حين تم التاكد ان النظام المصري يتجه نحو الاحتضار. قناة اجنبية اخبارية ناطقة باللغة العربية اعتبرت ان الهم الرئيسي في تغطيتها الاخبارية يكمن في التركيز على ما جرى في مملكة البحرين دون الاشارة على سبيل المثال الى مايجري في سوريا من احداث. وما جرى في تونس على سبيل المثال دفع بعض القنوات الاخبارية الى المبالغة في دور القوى الاسلامية والقول بانها المحرك الرئيسي لاحداث تونس بينما انشغلت قنوات اخبارية اخرى بتجميل صورة زين العابدين بن علي. وهكذا فان الامثلة كثيرة على انصراف قسم كبير من القنوات الاخبارية العربية او الناطقة باللغة العربية عن القواعد المهنية وافتتاح دكاكين سياسية لاتوفر جهدا باستخدام من يسمون انفسهم بالمفكرين العرب والمحللين السياسيين الذين يقولون في الصباح ان القذافي على سبيل المثال يعتبر زعيما فذا بينما يؤكدون مساء انه ساقط سياسيا ولا يعرف كم الدولارات التي يتقاضونها لقاء تغيير مواقفهم بشكل جذري في يوم واحد. اذن هل تعتبرون ان هذه الفضائيات لم تكن منهجية بتغطيتها وانها ارتبطت باجندات خارجية؟ -نحن امام حالة استثنائية في الاعلام العربي الذي يكاد يفقد مصداقيته على الاطلاق ويسمح للعاملين فيه ان يسخروا في بروموشن خاص من هذا الزعيم او ذاك او ان يتم استخدام المؤثرات الموسيقية والاغاني للتعبير عن دعم هذه القناة او تلك لهذا الحدث اوذاك. الاغرب في مجمل التغطيات للقنوات الاخبارية التركيز على المقابلات والاحاديث مع شهود العيان لدرجة لاابالغ اذا قلت ان معظم القنوات الاخبارية التلفزيونية تحوّل الى اذاعات نظرا لغياب الصورة ولغياب التقارير التلفزيونية التي كانت تميّز هذه القناة او تلك. والاخطر انسياق معظم هذه القنوات وراء الخط السياسي لهذه الدولة او تلك بعد ان مارست هذه القنوات انتقادا شديد اللهجة للقنوات الرسمية على تغطياتها الاخبارية وافتقارها للموضوعية واذ بنا نشهد تقليدا دقيقا لممارسات القنوات الرسمية الحكومية لا بل اكثر من ذلك بكثير. فالمشهد الاعلامي العربي ينذر بالكارثة نظرا لغياب المعلومات وافساح المجال للتحريض الرخيص ناهيك عن قتل متعمّد للموضوعية.
محمد قازان (فضائية المنار):نلتزم «الموضوعية» مع التظاهرات في سوريا أكّد الإعلامي ورئيس تحرير في قناة «المنار» اللبنانية محمد قازان ان تحرّك الشعب البحريني ظُلم من قبل القنوات العربية لأسباب عدة الى درجة التعتيم الكلي الذي أظهر تغطية المنار اكبر واكثر تميّزا . واوضح في حديث ل « الأسبوعي» انه بالنسبة للحدث السوري فان هذه التظاهرات الشعبية محقّة في مطالباتها وان القناة قامت بتغطيتها بالموازة مع اخبار الاصلاحات التي يقوم بها النظام في سوريا ، ليس انسجاما مع ما يقال عن نظرية المؤامرة وانما بناء على وقائع التاريخ والجغرافيا التي تحكم لبنان وسوريا. هل تعتبرون ان تغطية الفضائيات العربية كانت مواكبة للثورات الشعبية وفي مستوى هذا الحدث التاريخي؟ -اعتقد ان للمشاهد العربي صلاحية تقويم اداء هذه الوسائل التي لا يمكن القول انها متشابهة ولكن طبعا هناك خلفيات وغايات في التغطية لكل واحدة منها تختلف عن الاخرى بحسب انتمائها وربما تمويلها . ثمة من يعتبر ان هناك ازدواجية في التغطية بالنسبة لبعض الفضائيات العربية. قناة المنار مثلا قامت بتغطية الثورات في بعض الدول باعتبارها ثورات مثل البحرين في حين انها اعتبرت الثورة في سوريا مؤامرة نظرا للخلفية الايديولوجية والمصالح السياسية مع هذه الدول. فماذا تقولون؟ -بالنسبة لتغطية قناة المنار للثورات العربية يمكنني القول بداية وبصراحة اننا تعاطفنا بشكل كامل مع ثورة الشعب التونسي وانحزنا الى تطلعاته التي عبّر عنها بحراك شبابه ودماء شهدائه، وربما كما الكثير من الفضائيات العربية فوجئنا بحجم وجدية التحرّك في تونس بداية لكنّنا سرعان ما آمنا بقدرة الشعب التونسي على التغيير واصبحت ثورة تونسالخبر الاول واحيانا الوحيد في نشراتنا مع تصاعد الاشارات الجدية على سقوط نظام بن علي دون ان يعني ذلك انّنا ادعينا او ندعي لانفسنا شرفا نتمناه فيما يتعلق بتحريك الشارع او اختزال ثورته بشعار لقناة فضائية كما فعلت بعض المحطات. . وهذا ينطبق ايضا الى حد كبير على مصر وثورة شعبها مع فارق اننا في التغطية المصرية ركّزنا على جوانب اغفلتها بعض الفضائيات ربما وهي تتعلق بمستقبل مصر على صعيد سياستها الخارجية. لاسيما فيما يتعلّق بالصراع العربي الاسرائيلي والعلاقة مع قطاع غزة وحركات المقاومة في المنطقة، فيما كانت اغلب الفضائيات ربما تصف هذه الثورة بثورة الخبز والحرية وتغفل عن قصد او عن غير قصد هدف استعادة الكرامة المصرية المهدورة في اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية تصدير الغاز المصري ومسار اعتقال المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين داخل السجون المصرية، عدا عن تآمر نظام حسني مبارك على المقاومة اللبنانية والفلسطينية في حربي جويلية وغزة . اما فيما يتعلّق بتغطية قناة المنار للأحداث في البحرين فقد يظهر اننا نغطي اكثر من غيرنا ما يجري لكن حقيقة الامر ان هذه الصورة مردّها الى كون تحرّك الشعب البحريني ظُلم من قبل القنوات العربية لأسباب عدّة الى درجة التعتيم الكلّي الذي اظهر تغطية المنار اكبر واكثر تميّزا . وفي الحدث السوري اعتمدت قناة المنار سياسة موضوعية تعتمد على تغطية التظاهرات التي تجري في المدن السورية وهي تظاهرات محقّة في مطالبتها بالاصلاح بالتوازي مع تغطية اخبار الاصلاحات التي يقوم بها النظام في سوريا والتفريق بين المتظاهرين الفعليين واولئك الذين يريدون التخريب في سوريا ليس انسجاما مع ما يقال عن نظرية المؤامرة وانما بناء على وقائع التاريخ والجغرافيا التي تحكم لبنان وسوريا وخاصّة اننا قناة مقرّها بيروت ونعلم حجم التحريض والتجني الذي مارسته قوى سياسية لبنانية طوال سنوات ضدّ سوريا على خلفيات عدة تتعلّق باجندات خارجية تستهدف سوريا. التي نقدّر- كقناة تعبّر عن فئة كبيرة من الشعب اللبناني - وقوفها الى جانب المقاومة طوال فترة الاحتلال والعدوان الاسرائيلي. مع التشديد ان ذلك لا يعني اننا نعتبر المتظاهرين لاّجل الإصلاح في سوريا متآمرين وانما اصحاب مطالب ينبغي تركهم مع القيادة السورية يبحثون عن حلول لها بعيدا عن اسقاطات الفضائيات العربية ونصائحها او توجيهاتها او حتى اجنداتها الخاصة إن وُجدت.