محمد الطوير ربما لم يكن السيد فرحات الراجحي وزير الداخلية السابق وهو يدلي ب"تصريحه القنبلة" لموقع "سكندالي" الألكتروني قد توقع العواقب التي ستنجر عنه والتي شهدنا عينة منها يومي أول أمس وأمس في تونس العاصمة وعديد المناطق الأخرى في البلاد.. لكن مع ذلك يحق لنا أن نستغرب كيف يمكن لمسؤول سياسي في حجمه سبق أن تحمل حقيبة وزارة سيادية من الدرجة الأولى أن يقع في مثل هذا المطب ويخطئ في التقدير بهذا الشكل بينما المفروض أن تكون كل خطواته محسوبة بدقة فائقة في وقت بلادنا أحوج ما تكون إلى استعادة استتباب الأمن. فتونس اليوم وبعد قرابة الأربعة شهور من ثورة الكرامة التي أطاحت بالمخلوع زين العابدين بن علي ونظامه البوليسي المستبد وزمرة أقاربه الفاسدين مازالت لم تخرج من نفق الفوضى إلى بر الأمان وتواجه بالخصوص صعوبات في استعادة الأمن، الشرط الضروري لعودة الحياة العادية وجلب الاستثمارات من أجل إعادة دفع عجلة الاقتصاد وحركة تشغيل العاطلين عن العمل، وهي صعوبات لا ننكر أن الجهود المبذولة إلى حد الآن من طرف الحكومة الانتقالية لم ترق بعدُ إلى المستوى المأمول، حيث يفترض اتخاذ إجراءات استثنائية أكثر صرامة وردعا لكل من تسول له نفسه التورط في أعمال عنف أو حرق أونهب وكذلك ضد من يثبت عليه التقاعس في القيام بواجبه من أفراد الأجهزة الأمنية.. ولهذا كان من المفروض ومن المسؤولية الوطنية تجنب صب المزيد من الزيت على النار ومساعدة هذه الحكومة عبر تقديم المشورة والنقد البناء في الاضطلاع بالمهام التاريخية الموكلة إليها والقيام بواجبها على أحسن وجه. إننا من خلال رأينا هذا لا نسعى للتشكيك في صدق نية السيد الراجحي ولا في مدى غيرته على تونس وثورتها المجيدة، وهو ما بدا لنا واضحا وتمكن بالفعل من إقناع غالبية المواطنين التونسيين به عبر مختلف تدخلاته السابقة في القنوات التلفزيونية الوطنية.. لكن مع ذلك، لا بد من الاقرار بأن ما أدلى به أخيرا يلحق الأذى بتونس وثورتها المجيدة أكثر مما يفيدها خصوصا أن الأمر تعلق بفرضيات وأحكام شخصية مست عددا من الشخصيات ووصلت حد التشكيك في نزاهة ومصداقية المؤسسة العسكرية دون مؤيدات مادية. إن طريق الخروج بالثورة المباركة التي فرضها التونسيون وخطوها بدماء شهدائهم الأبرار، إلى بر الأمان مازالت تعترضه عقبات وسيظل يواجه في قادم الأيام أيضا العديد من المحاولات للالتفاف عليها.. ولا بد لنا كلنا كتونسيين التحلي بأقصى درجات المسؤولية للتصدي للمؤامرات التي تحبك في الخفاء لإجهاضها.