كانت تصريحات وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس فكأن الشارع ينتظر تصريحا مماثلا حتى تتأكد شكوكه في"حسن نية الحكومة المؤقتة "... وهو ما "يترجمها التعاليق التي تداولت على الموقع الاجتماعي "الفايسبوك " فضلا عن المظاهرة التي نظمت بالعاصمة والتي تنادي "بثورة جديدة". وهنا تطرح أسئلة ملحة: لماذا سحب الشعب كامل رصيده من الثقة في أداء الحكومة المؤقتة الذي لم ينتظر الكثير ليتظاهر ويندد "بمخططات الحكومة المؤقتة"؟ و ما الذي جعل "الراجحي" رمزا للثقة في عيون التونسيين؟ وفي تشخيصه لأسباب ذلك ، أفاد السيد بلعيد أولاد عبد الله (باحث في علم الاجتماع) أن الثقة تمنح استنادا إلى جملة من الأقوال والأفعال. والتفاعل المفرط مع تصريحات "الراجحي" مردها ثقة شعب في مسؤول سابق تنصل من الصورة النمطية للوزير أو المسؤول التونسي سواء كان ذلك على مستوى الهندام أو كيفية التواصل الجسدي واللفظي الذي اتسم بعفوية مطلقة علاوة على قطعه مع نوعية خطاب سياسي كان سائدا. ففضلا عن ملامحه التي توحي بالهدوء والرصانة فقد كانت لحادثة المعطف والهاتف الجوال عميق الأثر في تحطيم الصورة النمطية للمسؤول الجديد الذي اعتبر أهلا للثقة مقارنة بالآخرين الذين حسب الشعب يتجملون شكلا ومضمونا . من جهة اخرى اضاف السيد بلعيد انه رغم ضبابية تصريحاته فان هذا "التفاعل الرهيب" يقترن بعاملين أساسيين أولهما الصورة الودودة "للراجحي" فضلا عن تباطؤ الحكومة في تحقيق المطالب الأساسية التي قامت لأجلها ثورة الكرامة والتي جعلت الشعب لا يشكك مطلقا في تصريحاته وفقا لما أدلى به الباحث في علم الاجتماع. وفي تفسيره للعامل الثاني أشار بلعيد إلى أن الحكومة المؤقتة "أعطت الشرعية لمجالس حماية الثورة التي تحولت إلى مجالس انتهازية"، فالشعب التونسي وعائلات الشهداء التي أريقت دماء أبنائها لأجل كرامة العيش لا يهمهم المجلس التأسيسي بقدر اهتمامهم بتجاوز معضلة البطالة وتحقيق تنمية عادلة بين الجهات. وهي مسائل لم يتحقق شيء منها إلى حد الساعة. وخلص الباحث إلى أن النقص الواضح على مستوى تخطيط الحكومة المؤقتة لتحقيق مطالب الشعب التي لا تراجع فيها جعل حتى المواطن البسيط يقتنع بكلام الراجحي وحتى لو ظهرت شخصية مغايرة تشكك في نوايا الحكومة المؤقتة لصدقها عامة الناس.