هو دوي قنبلة حقيقية ذلك الذي يتردد في الموقع الاجتماعي «فايس بوك» منذ مساء أول أمس الأربعاء بعد نشر الحوار الذي أجراه صحفيان شابان مع وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي. فجأة، نسى مئات الآلاف من التونسيين على الموقع الاجتماعي عراكهم السياسي اليومي ضد أو مع النهضة أو ملاحقة بقايا التجمع، لتداول النقاش حول مضمون التصريحات الخطيرة التي أطلقها الراحجي على شبكة الانترنيت. وفي الساعات القليلة التي تلت نشر الحوار على ثلاثة أجزاء في موقع فايس بوك، كانت مقاطع الفيديو قد حققت أرقاما قياسية من المشاهدة والتشارك على عشرات الآلاف من الصفحات ووصل صداها إلى صفحات مصرية وأوروبية. ومن أكثر محاور الحديث الذي شد المساهمين في الانترنيت هي مواقع القوى في وزارة الداخلية، وإمكانية انقلاب الجيش على الحكومة إذا فازت النهضة بالأغلبية في الانتخابات واحتكار أهالي الساحل للسلطة السياسية. «ما يجيش وزير...» النقاشات والتعاليق انقسمت في الموقع الاجتماعي إلى ثلاثة أقسام: الأغلبية تساند تصريحات الراجحي وتعتبره «أكبر راجل في البلاد» كما تكرر مرارا، وتدعوه إلى الاستمرار في ما تسميه «كشف الحقائق»، والثانية تهاجمه وتشكك في مصداقيته، مثل التعليق الذي نشر في موقع راديو موزاييك: «الراجل يدعو إلى حرب أهلية ويقولولو راجل». الصحفية تقول تحرك شعبي كبير ضد السبسي والمبزع يظهرلي فيها الصحفية تعرف الشعب التونسي أكثر من التوانسة». أما القسم الثالث، فهم الذين يحاولون تقدير الحجم الحقيقي لتصريحات الراجحي خصوصا تلك التي تتعلق باتهام الجيش بالاستعداد للانقلاب على الحكومة وهو ما لم يحدث من قبل إذ ظل الجيش الوطني يحافظ على حب واحترام الأغلبية المطلقة لمستعملي المواقع الاجتماعية، واحتكار مجموعات من الساحل للسلطة وهو أيضا تصريح له تبعات خطيرة، وهو ما عده الكثير من الأشخاص «إطلاقا لنعرة الجهويات، وتقسيما للشعب التونسي حسب الجهة والأصل، وهو خطير جدا على مستقبل البلاد ووحدتها». ومما وجدنا من المواقف الرافضة لتصريحات السيد الراجحي: «السواحلية إلي تتهكم عليهم يا راجحي راهم ولاد تونس ونقولوهالك بالصوت العالي رانا سكتنا برشة ورانا وقت إلي إنتي راقد نحنا قمنا بالثورة أما باش تتهكم علينا فذلك شيء لا يغتفر ونطالب بالتحقيق معكم في نشركم للجهويات». في هذا المجال، نختار لكم التعليق الذي نشره الزميل خميس الخياطي وجاء فيه: «حدث «إكترافاغانسا» قال: الناطق الرسمي باسم الحكومة يردّ على تصريحات فرحات الراجحي.. رأيي الخاص أنّ الراجحي (خاصّة إذا كان -كما قالها على إكسبريس آف آم- على علم بأنّ مستجوبيه بصدد تصويره وأن الفيديو ستنزل على فايسبوك) ارتكب حماقة كبيرة لمّا أدخل البعد الجهويّ وجعل من المسألة مسألة «سواحليّة» ضدّ بقيّة الشعب.. هذا كلام لا يليق بمسؤول محترم.. قد يكون الراجحي راجل نزيه ونظيف ولكنّه أيضا زلاّط وما يجيش وزير». ويلتقي هذا الموقف مع ما جاء في تصريحات السيد معز السيناوي، مدير الاتصال في الحكومة المؤقتة الذي وصف ما جاء في تصريحات الراجحي بأنها: «مسألة خطيرة، رغم أنها في فايس بوك، ولا ندري إن كان يدري أم لا أنها المسألة خطيرة، انعدام شعور بالمسؤولية، ما يعني أنه غير مهيئ لتحمل مسؤولية وزارة سيادة وانعدمت لديه المصداقية». عقلاء... وفي ما كانت جماهير فايس بوك ما تزال تستلك تفاصيل الحوار، تم إطلاق الحوار مع السيد كمال اللطيف على شبكة فايس بوك، ليزيد في حدة النقاشات والتعاليق وانقسام المتابعين لهذا الحدث، قال السيد اللطيف لإذاعة شمس أف أم عن الراجحي: «ليس في وعيه ولا أفهم كيف أصبح وزيرا للداخلية، حياتي كلها في السياسة ولا أعرف الراجحي وقد سألت عن الذي أتى به إلى الوزارة». وفي منتصف نهار أمس، عاد «عقلاء الموقع الاجتماعي»، إلى مناقشة الموضوع من أصله، أي البحث في جدية الحوار الذي نشر. وفي هذا المجال، تحدثت إذاعة اكسبراس أف أم مع الصحفي الذي أجرى الحوار حمدي بن صالح (مع زميلته نجوى الهمامي، وهما خريجا معهد الصحافة وعلوم الإخبار)، فأكد أن الحوار سليم من الناحية المهنية وكان السيد الراجحي مدركا لعملية التصوير ولطبيعة الحوار وحتى موقع النشر». يقول حمدي بن صالح: «لم نخدعه ولم نسجله دون علمه، بل بجهازي كاميرا في مكتبه». ولم يطل موقف السيد الراجحي الذي قال في تصريح إذاعي: «لم يخدعني أحد من الصحفيين، لم أحسب أي حساب عند الإجابة، وليست لي أية خلفيات حول ما صرحت به»، وفي المقابل، قال السيد كمال اللطيف إنه يدرس محتوى الحوار جيدا قبل بحث إمكانية التظلم لدى القضاء. لكن للموقع الاجتماعي «فايس بوك» منطقه الخاص، حيث من النادر أن يقدر الناس خطورة اتهام الجيش الوطني في مثل هذه الحالة، أو خطورة إطلاق الحزازيات الجهوية في الفضاء العام حتى وإن كان بعضها صحيحا. ورغم حساسية هذا الموقف، فإن الأغلبية في الانترنيت تقف مع فرحات الراجحي الذي يحتفظ بملامح رجل تلقائي، ذي طريقة عفوية وقريبة من الناس في الحديث، حتى أن إحدى الصفحات المخصصة لمساندته وتحمل عنوان «كلنا مع فرحات الراجحي بش ينظف الداخلية» تجمع أكثر من 28 ألف مساند. ضرورة التهدئة عند منتصف نهار أمس الخميس، اشتدت المساندة لفرحات الراجحي، وظهرت صفحات ذات عناوين تهدد كل من يطاله بسوء، ومن طرائف فايس بوك مقطع فيديو لشابين يتابعان ما يقولان إنها سيارة فرحات الراجحي لحمايته (لا يشتمل هذا المقطع على ما يشير أنها سيارة الراجحي)، فيما حققت إحدى الصفحات التي تعرض حواره إلى 120 ألف عملية تشارك دون أي إشارة إلى الموقع الذي أنتج الفيديو. وللأسف الشديد، فإن الكثير من التعاليق لا تزيد عن الغوغائية والتحريض، فيما تبدو التدخلات الناضجة وخصوصا مواقف الأحزاب والمنظمات وقادة الرأي نادرة على الشبكة، مثل نص الحوار في إذاعة موزاييك مع الأستاذ الأزهر العكرمي الذي دعا إلى التهدئة: «تونس أقل من أن تقسم بين السواحلية وغيرهم، هي حوض من أجمل ما يكون للتعايش وخال من الاقتتال الداخلي في أي زمن، تونس لا تقسم إلا على واحد، والجيش الوطني ضمن استمرار الدولة ولم يأخذ الحكم، المثقفون كفيلون بتأمين الاستمرار الديمقراطي»، ورغم أن الأستاذ العكرمي قد فند ما جاء في تصريحات السيد الراحجي بخصوص الجيش، فقط أطلق فكرة طريفة عن هذه التصريحات: «لنعتبرها كاميرا كاشي أو كذبة أفريل متأخرة». وفي نفس الحصة على إذاعة موزاييك، قال السيد المنصف المرزوقي: «كانت تشخر زادت بف، كلام الراجحي زاد في أزمة الثقة، خصوصا عن حكومة ظل، والاتهامات الباطلة للجيش، والاتهامات الجهوية، الجو النفسي لم يكن جيدا، فزادت هذه التصريحات في سوء الوضع». كما تحدث السيد المرزوقي طويلا عن ضرورة التهدئة رغم اعترافه بوجود مشاكل في الطبقة السياسية.