آسيا العتروس ستة عشر يوما هي المدة التي قضاها ثلاثة وسبعون مهاجرا افريقيا غادروا الشواطئ الليبية باتجاه جزيرة لامبادوزا الايطالية هربا من جحيم كتائب القذافي قبل أن تتقطع بهم السبل في عرض المتوسط ويتحول أغلب هؤلاء الحالمين بالوصول الى الجنة الموعودة الى طعم لاسماك البحر، وهي مدة لا يمكن ألا تكون قوات الاطلسي أو خفر السواحل الايطالية أوغيرها لم تنتبه لوجودها ولم ترصد نداءات استغاثتها. ستة عشر يوما من الصراع بين الموت والحياة كانت كفيلة بتقليص رقم اللاجئين الى أحد عشر شخصا فقط كانوا يستيقظون كل يوم ليجدوا أن أحدهم قد فارق الحياة نتيجة الجوع والعطش... مشهد قد لا يخلو من تناقضات صارخة بين لاجئين بائسين مستعدين لكل المخاطروالرهانات من أجل فرصة أفضل للحياة قد تتحقق وقد لا تتحقق وبين قوات بحرية تقف حارسة على ربوع المتوسط يفترض أنها نهلت من ينابيع مختلف مفاهيم حقوق الانسان ولكنها تقف دون اغاثة أشخاص في حالة خطر داهم... فصل اخر من فصول الموت المتربص باللاجئين أو الحارقين الافارقة الهاربين من جحيم القذافي ونيران كتائبه ومرتزقته وهو فصل من شأنه أن يؤكد أن ما تسببه سفن الموت من كوارث وما يجلبه سماسرة البشر من مآسي لن يتوقف قريبا لا سيما وأن قوافل الحالمين بالوصول الى الجنة القائمة على الضفة الاخرى للمتوسط يتضاعف يوما بعد يوم رغم كل الجروح والمصائب التي غالبا ما تؤول اليها مغامرات اللاجئين أو الحارقين الى الضفة الاخرى من المتوسط... والارجح أنه طالما ظلت الحرب الاهلية في ليبيا متأججة وطالما ظلت معاناة الشباب مع البطالة والفقر والخصاصة والتهميش والظلم قائمة ظلت قصص الموت حاضرة في سلسلة الاخبار اليومية التي تشهد على عجز الحكومات التي تعيش مرحلة ما بعد الثورة أو تلك التي لا تزال تتحسس طريقها للخلاص من الدكتاتورية على التخلص من تداعيات ذلك الارث الثقيل لسنوات القمع والاستبداد والفساد الذي أفلس البلاد والعباد. انه ليس سوى جزء من معاناة اللاهثين من أجل حياة أفضل قبل أن ينتهي بهم المصير اما في قاع البحر أو على الشواطئ أو في السجون والمعتقلات الخاصة بصيد المهاجرين غيرالشرعيين... ظلم القذافي يلاحق المهاجرين من البر الى البحرويكشف للعالم أن أحلام هؤلاء لا تختلف في شيء عن أحلام غيرهم من شباب العالم الحر... صحيح أن اللاجئين يتحملون جزءا من المسؤولية في هذه المآسي المستمرة ولكن الحقيقة أن حدود هذه المسؤولية تتجاوز حدود المخططات الفاشلة للانظمة الاستبدادية في تحقيق آمال وتطلعات الشعوب ولكنها مسؤولية تمتد ايضا الى حسابات ورهانات الغرب ومخططات البنك الدولي وغيره من المنظمات التي ساهمت بشكل أو باخر على هيمنة تلك الانظمة... والواقع أنه اذا ما ثبتت التقارير التي كشفتها صحيفة الغارديان البريطانية بشأن تجاهل قوات الحلف الاطلسي بما في ذلك قوات فرنسية نداءات الاستغاثة التي أطلقها لاجئون في عرض البحر بعد جنوح السفينة المتهالكة التي كانت تقلهم فان ذلك لن يكون له أكثر من تفسير وهي أن القوات الامنية التي التقطت صرخات الاستغاثة للحارقين ليست مجرد شاهد على الجريمة ولكنها شريك سلبي فيها وهي التي لم تبادر الى اغاثة منكوب في حالة خطر وفق ما تنص عليه مختلف القوانين الانسانية والاخلاقية المتعارف عليها...ولعل في حكايات الناجين وما اطلقوه من اشارات وتحذيرات وصرخات استغاثة أملا في اثارة انتباه القوات المتواجدة هناك ما يفترض أكثر من رد على مختلف نقاط الاستفهام العالقة...