ما شهدته تونس أول أمس وتحديدا بمعتمدية "الروحية" بولاية سليانة، يعد أول مواجهة مسلحة بين قوات الجيش الوطني والأمن الداخلي بعد الثورة مع ما وصف بمجموعة مسلحة تنتمي إلى تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" والتي أستشهد خلالها عنصران من الجيش الوطني إضافة إلى قتل عنصرين من التنظيم الإرهابي. وكان للعملية وقعها الكبير على التونسيين الذين لم يعتادوا مثل تلك المواجهات التي حصلت، كما لم يتعوّدوا على إعلام يؤكد في الإبان أن الحدث كان أحد أطرافه "تنظيم إرهابي". وتواترت ردات الفعل مباشرة بعد العملية من مختلف الأحزاب والمنظمات والهياكل، وذلك نظرا لخطورة مثل هذا الحدث "الذي لم تتبناه أي جهة إلى حد اليوم". وما قد يسبّبه هذا الحدث على المستوى القريب والبعيد من تداعيات، يطرح تساؤلات عدّة عن الظروف المحيطة به وأيضا التناول الإعلامي له كما تأثيره على المسار الانتخابي الذي لاتفصلنا عنه سوى أسابيع قليلة. التضخيم الإعلامي لا شك أن حدثا كهذا يطال البلاد لن يمرّ مرور الكرام، إذ لم تكن مفاجأة أن انتشرت الأخبار سريعا عبر الشبكة العنكبوتية بل حملت أكثر من وجه وتدافعت الأخبار المغلوطة والقليلة المصادر والمشكوك في مصدرها عبر الموقع الاجتماعي "الفايسبوك" الذي أصبح عادة لدى التونسيين بايجابياته وسلبياته. من ناحية أخرى تدافعت وسائل الإعلام لنقل هذا الحدث، غير أن الملاحظين أكدوا غلوا وتضخيما وأيضا إثارة قصوى له غير مبررة، إذ ذكرت أحدى الإذاعات أن العملية شهدت مواجهة بين قوات الجيش والأمن الداخلي و"مجموعة مسلحة من تسعة أشخاص يحملون الجنسيات التونسيةوالجزائرية والليبية وينتمون إلى تنظيم القاعدة". إذ كيف يمكن الحكم النهائي على أحداث دون تحقيق ميداني ومتابعة تامة وشاملة وتثبّت دقيق؟ ثم دون حتّى انتهاء الأبحاث الجارية والتّحقيقات في الموضوع؟ وبقدر أهمية تناول مختلف المواضيع وإطلاع المواطن عمّا يجري في أرض الوطن غير أن ذلك لا يعني البتّة المساهمة في إحداث بلبلة في صفوف الشعب وتخويفه من حادثة"مهما كانت خطورتها" خاصّة أن طبيعة المرحلة الصّعبة تتطلب حفاظا وعملا دؤوبا من أجل الوصول إلى حد أدنى من الأمن الاجتماعي. نفسية التونسي وأمنه لا شك أن قضية الأمن كانت سببا آخر، سقطت خلاله حكومة محمد الغنوشي الأولى والثانية، وكان الباجي قائد السبسي أكد بعد تسلمه حقيبة الوزارة الأولى مباشرة أن مهامّه الأولى ستكون مركّزة على توفير الأمن للتونسيين. وفي وقت سابق كان عدد من الأحزاب التونسية تبرّأ من أي عمل فيه عنف، أو مسّ من الأمن العام بعد أحداث اضطراب شهدتها البلاد في الأسابيع القليلة الماضية.. وهو انعكاس لوعي بمسألة المحافظة على أمن البلاد وسلامتها من مختلف الأطراف، وإدراك بأن التونسي له حساسية تجاه هذا الموضوع. في المقابل يحذّر عديدون من أن هناك من يسعى إلى رفع "فزّاعات" تخيف المواطن وترهبه، وقد تكون لها تأثيرات على طبيعة أولويات المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، وهو ما قد يؤثر بدوره في هامش الحرّيات الذي أنتجته الثورة. وان تضخيم مثل تلك العمليات لن يسبب سوى الهلع والخوف، وقد يكون مهددا للتحول الديمقراطي والحريات في البلاد، وان كانت وزارة الداخلية طمأنت من خلال التعامل مع هذا الحدث بحزم وعمل جبار ميداني وتعاون مع المواطن من ناحية أخرى وحثا على التعاون مع الأجهزة الأمنية، إلى أنها تنتهج المسار الذي خططت له الثورة. ويذهب هنا خليل بن عبد الله، الباحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان والعلاقات الدولية إلى أن دماء الجيش الوطني الزكية التي سالت في الروحية كما المجهود الكبير لقوى الأمن الداخلي للدفاع عن الوطن والمواطنين " مؤشر قوي على ضرورة الإسراع في إعادة صياغة الأولويات الوطنية وإعادة ترتيبها بالتوازي مع تأمين الانتقال الديمقراطي". العملية الانتخابية تستعد تونس إلى خوض أول تجربة ديمقراطية وهي أول محطة ديمقراطية وتعددية قد تشهدها المنطقة منذ عقود، وان يمثل هذا الحدث فخرا وطنيا ومنعرجا يعمل الجميع على إنجاحه فهو أيضا حدث كبير في المنطقة قد تعمل عدد من القوى داخلية كانت أو خارجية على إفشاله ووأد أول تجربة ديمقراطية قد تحصل في المنطقة. وفي هذا السياق لم تخف الأحزاب السياسية التونسية التي عبر عدد كبير منها عن تنديدها واستنكارها لحادثة الروحية التي جرت أول أمس، بل حذّر عدد منها من أن يكون لمثل تلك العمليات الإرهابية وقع على مسار التحول الديمقراطي الذي ستكون الانتخابات أول امتحان له. وفي نفس السياق يعتبر المتابعون أن إجراء الانتخابات والمرور إلى الشرعية قد يكون له وقع مفيد لتحصين الوضع الأمني والسلم الاجتماعي والذهاب بالبلاد إلى مسارها الطبيعي المنشود بعد الثورة. غير أنه يجب الإقرار من جهة أخرى أن إنجاح عملية انتخابية لا يمكن أن يأتي أكله بحال من الأحوال ومهما كانت الاستعدادات، في ظل تهديدات أمنية خاصة مثل الذي وقع في الروحية. من يقف وراء دخول هؤلاء؟ لعل وقوع عملية من هذا القبيل تطرح تساؤلات كبيرة حول توقيتها ؟ وأيضا علاقتها بالوضع الداخلي والإقليمي المحيط بالبلاد، إذ إضافة إلى حالة الاضطراب الاجتماعي والأمني التي تعيشه، فان ليبيا تشهد "حربا أهلية" بين كتائب معمر القذافي والثوار، كما شهدت الجزائر اضطرابات في المدة الأخيرة، وان استبعد عديد الملاحظين أن تكون أياد غير معلومة تقف وراء ما حدث بالروحية، غير أن آخرين يذكرون أن الأنظمة الحاكمة في المنطقة كانت ومازلت إلى اليوم "تشرعن" سياساتها بتعلة مقاومة الإرهاب، وتقدم نفسها على أساس أنها جدار الصد الأول للتنظيمات الإرهابية المهددة للأمن العام للضفة الشمالية للمتوسط كما الجنوبية منها. وكان متحدث إعلامي بوزارة الداخلية أكد في تصريح لأحدى القنوات الإخبارية "أن عدد الموقوفين من التنظيم يبلغ ستة عناصر، بينما هناك آخرون يختبئون في مناطق بالجنوبالتونسي، مؤكدا أن أغلبية العناصر يدخلون تونس عبر الحدود الجزائرية وبالتحديد منطقة جبل الأبيض التي تأوي أحد مخيمات تدريب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي". السياحة كانت للانفلات الأمني والاضطرابات التي شهدتها مختلف مناطق البلاد بعد 14 جانفي انعكاسات كبيرة على القطاع السياحي حيث تراجع هذا النشاط بنسبة تتراوح بين 45 و50% كما انخفضت حركة نقل المسافرين بنسبة 25% في الأشهر الماضية. وبذلت مختلف المصالح والجهات مجهودات لتحسين الوضع الأمني، ووضعت خططا جديدة ومحكمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم السياحي، ولكن يمكن لمثل ما حدث بالروحية أن يزيد في تدهور وضعية القطاع الذي يمثل عضدا أساسيا في المنظومة الاقتصادية الحالية، إذ أن السياحة وحدها تشغل حوالي مليون تونسي، ومن هذا المنطلق فان مثل تلك الأحداث والتي تفوح منها رائحة "الإرهاب" قد تكون كارثة بكل المقاييس لموسم سياحي يعمل الجميع على تحسين مردوده والمحافظة على ما "تبقى منه" ان صح التعبير. هل يهدد الإرهاب حقا تونس؟ كان الإعلامي والخبير صلاح الدين الجورشي توقع في الأشهر الأخيرة من سنة 2010 أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب سيقوم بعمليات تصعيدية في المنطقة، وأكد "انه بات قادرا على تنفيذ تهديداته"، خاصة وقد تموقع في الصومال الذي أصبح"ميدان اختبار للقوة بين تنظيم القاعدة والحكومات المحلية والقوى الغربية". وللتذكير فان هذا التنظيم الإرهابي كان قد أصدر بيانا نسب له بعد اندلاع الثورة توجه به إلى التونسيين عنون ب"إلى أهلنا في تونس: هرب الطاغية ومنظومة الكفر والطغيان باقية"، وجاء فيه" لا ينبغي لإخواننا في تونس أن يظنوا أنهم كسبوا المعركة مع الكفر والطغيان فالمعركة طويلة...والذي كسبوه إنما هو جولة أولى وستليها جولات". وكانت البلاد شهدت في السنوات القليلة الماضية عمليتين، هما ما سمي بأحداث سليمان وبعملية جربة، وهي عمليات إرهابية أجمع على استنكارها مختلف التونسيين. لا يمكن الحكم على أن البلاد يهددها الإرهابيون وأن جماعات متطرفة تعمل على انجاز عمليات فيها ، ولكن في ظل الواقع الصعب الذي تعيشه البلاد فان مختلف التنظيمات والهياكل وحتى العصابات، "تعشش" وتحاول استغلال مثل هذه الظروف، رغم تأكيد عدد من الكوادر الأمنية التونسية على "إن الإرهابيين كانوا يخططون للذهاب إلى بلد مجاور". أيمن الزمالي
من هو تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»؟ تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، تنظيم سلفي مسلح نشأ عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية التي غيرت اسمها وأعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في 2007. ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد مقاتلي الجماعة، لكن أغلب المصادر تقدر عددهم بما بين 300 و800 مقاتل أغلبهم من الجزائريين, فيما يتوزع الباقون على جنسيات مختلفة أبرزها موريتانيا وليبيا والمغرب وتونس ومالي ونيجيريا. وتنشط هذه الجماعة بصفة أساسية في الجزائر ويمتد نفوذها إلى جنوب الصحراء, كما تتولى تدريب عناصر من دول الجوار التي تنفذ عمليات داخل أراضيها على غرار موريتانيا والمغرب وتونس.